الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبونواس /

فهرس الموضوعات

أبونواس

أبو نواس

تاریخ آخر التحدیث : 1446/5/14 ۲۲:۲۰:۲۲ تاریخ تألیف المقالة

أَبونُواس، الحسن بن هانئ (ح 140-198هـ/ 757-814م)، شاعر شهیر من العصر العباسي.

 

القسم الأول حیاة وآراء أبي نواس

قلما نجد طیلة تاریخ الأدب العربي شاعراً حظي باهتمام الکتّاب و الباحثین کأبي نواس. فأبعاد حیاته المختلفة، وأشعاره الرائقة البالغة ذروة النبوغ، وإبداعته في الشعر، وطرائفه، و حضور بدیهته، وعلاقاته مع رجال البلاط و الخلافاء العباسیین، والروایات العدیدة حول فساد أخلاقه، کل ذلک دفع الکتّاب القدامی والجدد إلی إبداء آراء حوله هي غایة في التناقض مما أدی إلی ظهور المئات من الکتب و المقالات والرسائل حوله. بل إن شهرته تجاوزت نطاق التاریخ نفسه لتبرز شخصیته محاطة بهالة من الأساطیر في قصص ألف لیلة ولیلة، وأساطیر المناطق الواقعة في أقصی بلدان شمال أفریقیا.

 

دراسة المصادر

منذ بدایة القرن 3هـ/ 9م و حتی الآن، بحث الکثیر من الکتّاب حول حیاة أبي نواس وأخباره وأشعاره دون أن یترکوا أي موضوع تقریباً، فقد وصلنا حشد من الکتب تحت عنوان أخبار أبي نواس ألفت غالبیتها من قبل کتّاب القرنین 3 و 4 هـ مثل یوسف بن إبراهیم ابن الدایة، وأبي هفان، و أبي الطیب ابن الوشاء، وابن عمار، و أبي الحسن الشمیشاطي (ظ: ابن الندیم، 182)، ولم یصلنا منها سوی کتاب أبي هفان. و رغم أن أبا هفان کان تلمیذاً لأبي نواس (ظ: ن.د، أبوهفان)، إلا أنه نقل أکثر روایاته عن یوسف ابن الدایة الذي کان یخطأ أحیاناً (ظ: حمزة، «شرح...»، 1/9). وبالإضافة إلی أبي هفان فإن غالبیة المصادر العامة ذکرت بشکل مفصل ترجمته، فیما اکتفت المصادر القریبة من عصره مثل الوحشیات لأبي تمام (ص 140)، وآثار الجاحظ، ونقد الشعر لقدامة بن جعفر، والکامل للمبرد، والورقة لابن الجراح بنقل أشعار و أخبار مختصرة عنه.

ومن بین کتّاب القرن 3هـ أورد ابن قتیبة في لاشعر و الشعراء، وابن المعتز في طبقات الشعراء ترجمة مستقلة و مفصلة عن أبي نواس. و من بین الکتّاب العدیدین في القرن 4هـ/ 10م یحظی حمزة الأصفهاني بالدرجة الأولی من الأهمیة، فقد بذل جهداً کبیراً لجمع أشعاره و أخباره، وتوجّه إلی بغداد مرات عدیدة للحصول علی دیوانه حتی عثر أخیراً في 326هـ/ 938م علی نسخة منه کانت قد جمعها آل نوبخت (إقبال، 23). والیوم یعد «شرح» حمزة الأصفهاني من أقدم و أهم شروح دیوان أبي نواس (حول هذا الدیوان و کذلک الدیوان الذي جمعه الصولي، ظ: قسم الشعر) واعتبراً من هذا العصر یمکن العثور علی أشعاره و أخباره في بطون کتب التاریخ بالإضافة إلی کتب الأدب. و قد استشهد بأشعاره مؤرخون مثل الطبري (1/94، 508-509، مخـ) والمسعودي (2/114، 350، 3/430، مخـ)، خاصة فیما یتعلق بتاریخ إیران قبل الإسلام باعتبراها وثائق تاریخیة. وبالإضافة إلی ذلک فإن البعض منهم نقل حوله أحیاناً روایات، وأوضح جوانب من حیاته (الجهشیاري، 123، 165، 191-195). ومن بین مصادر القرن 4هـ الأخری الأغاني، وللأسف فإن طبعاته الموجودة لم تخصص فیها أخباراً مستقلة عن أبي نواس. وبالطبع یستبعد أن یکون أبوالفرج قد غض النظر عن ذکر أخبار هذا الشاعر، و من المحتمل، کما أشار هو نفسه إلی ذلک بشکل غامض (ظ: الأغاني، 18/2)، إنه کان قد خصص له قسماً مفرداً، أو کتاباً مستقلاً لم یصلنا، حتی إن ابن منظور نفسه أبدی في مقدمة کتاب أخبار أبي نواس (ط القاهرة، 1/1)تعجبه الشدید من ذلک و قال إنه لم یعثر في النسخ المتعددة للأغاني علی ترجمة له. و استناداً إلی أحد الأقوال توجد مخطوطة من الأغاني في مکتبة غوته بألمانیا تشتمل أیضاً علی أخبار أبي نواس و ترجمته الکاملة (ظ: مهنا، 6). وعلی أي حال، فإن الروایات التي جاءت مبثوثة حول أبي نواس في الأغاني تحظی بأهمیة فائقة. ومن المصادر الأخری في هذا القرن ابن عبدربه، وکذلک الصولي في الأوراق (ص 10، 12، مخـ) و أخبار أبي تمام (ص 15، 32، مخـ)، والخالدیان في الأشباه و النظائر (ص 40، 182)، وقد اکتفوا بذکر روایات قلیلة وأبیات و مقطوعات من أشعاره. وقد جمع المرزباني في الموضح روایات أکثر حوله، فیما قام الجرجاني في الوساطة (ص 35، 38، 41، 49، 55-64، مخـ) و أبوهلال العسکري في کتاب الصناعتین (ص 24، 25، 34، مخـ) ودیوان المعاني (1/218، 2/344، 346، مخـ) بتحلیل ودراسة بعض من خصائص شعره.

ومنذ النصف الثاني من القرن 4هـ نفذ اسم أبي نواس في المصادر الشیعیة أیضاً. وقد نسب ابن بابویه في عیون أخبار الرضا (2/142-144) أشعاراً له في مدح الإمام الرضا (ع).

ولانجد في مصادر القرن 5هـ/ 11م في آثار أبي حیان التوحیدي، والثعالبي، وأبي العلاء المعري، والحصري، وابن عبدالبر، والباخرزي، وأبي عبید البکري معلومات جدیدة إلا بندرة. والخطیب البغدادي في النصف الأول من ذلک القرن هو وحده الذي جمع روایات کثیرة، وأعد ترجمة مفصلة له. کما بحث ابن رشیق أیضاً برؤیة نقدیة أشعاره، ونقل آراء البعض من النقادین لشعره. و اعتباراً من القرن 6هـ/ 12م لانجد في أي من المصادر شیئاً سوی تکرار الروایات القدیمة. وبالطبع فإن کتاب ابن منظور أخبار أبي نواس الذي أُلف في أواخر القرن 7هـ و أوائل القرن 8 هـ مستثنی ن هذه القاعدة. وکما قال ابن منظور نفسه (مختار ...، 3/5)، فقد أقدم علی تدوین هذا الکتاب لیتدارک ماتغافل عنه صاحب الأغاني من أخبار أبي نواس. و قد استند في کتابه غالباً علی روایات أبي هفان في أخبار أبي نواس، وأخبار الأغاني المتفرقة، ولم یضف إلیها روایات عن الرواة القدامی الآخرین مثل ابن السکیت إلا في النادر.

وقدم تم في القرنین الأخیرین تألیف حشد من المقالات و الکتب حول أبي نواس، وهي لاتکاد تضیف شیئاً جدیداً إلی معلوماتنا حوله. فقد کتب کل من عباس العقاد و علي شلق و عمر فروخ و جورج معتوق وعبدالرحمان صدقي ومحمد النویهي وعبدالحلیم العباسي کتباً مستقلة عنه. ویعد کتاب شلق من أکثر هذه الکتب توثیقاً. ودرس العقاد في کتابه شخصیة أبي نواس وفق المنهج النفسي، واعتبر انحراف أخلاقه ناجماً عن عقده النفسیة ومیوله المکتبوتة في فترة طفولته، وقارنه مع أوسکار وایلد (ص 52-54). وبالإضافة إلی ذلک کُتبت عنه مقالات کثیرة أیضاً: فقد عمد کل من أمین الحسن (ص 537-546)، ومنیر القاضي (ص 319-325)، وأحمد أمین (ص 22-26)، ومصطفی عبدالرزاق (ص 7-13)، وعبدالرحمان شکري (ص 18-21)، إلی بحث ودراسة حیاته وشخصیته و شعره. وقد طُبعت مجموعة من المقالات المتعلقة به في کتاب مستقل بعنوان أبونواس، حیاته وشعره في بیروت. کما قیم طه حسین في حدیث الأربعاء، ومصطفی الشکعة في الشعر والشعراء في العصر العباسي أشعاره. ومن البدیهي أن هناک معلومات ذکرت حوله أیضاً في کل من کتب تاریخ الأدب العربي.

وفیما یتعلق بالمستشرقین، فقد ألف فاغنر کتاباً مستقلاً یستحق الاهتمام حول أبي نواس، درس فیه جمیع جوانب حیاته وشعره. کما خصص شولر في کتابه «شعر الطبیعة لدی العرب» قسماً کبیراً له (ص 41-87).وبحث جمیل بن شیخ في «نشرة الدراسات الشرقیة» بشکل مفصل حول خمریاته (ص 7-75)، ودرس هاموري في مجلة «البحوث الإسلامیة» استخدام العناصر السائدة في الشعر العربي في قسم من أشعاره (ص 5-26). وبحث شاده أیضاً في مقالتین طبعتا في «مجلة جمعیة المستشرقین الألمان» مصدر بعض الحکایات المرتبطة بأبي نواس في ألف لیلة و لیلة (LXXXVIII/259-276, XC/602-615).

ولم یغفل الباحثون الإیرانیون عن فارسیاته، فقد تناول کل من محمدتقي بهار و مجتبی مینوي و علي أشرف صادقي المفردات الفارسیة التي أوردها في أشعاره بالنقد و الدراسة.

 

حیاته

ذکرت غالبیة المصادر القدیمة أن جده صَباح (رَباح) من موالي الجراح بن عبدالله الحَکَمي (من قبیلة الحکیم بن سعد العشیرة و عامل عمر بن عبدالعزیز سنة 99 هـ في خراسان، ظ: الطبري، 6/558)، ورفعوا نسبه إلی یعرب بن قحطان عن طریق الولاء (ابن قتیبة، الشعر...، 2/680؛ الخطیب، 7/436-437؛ ابن الأنباري، 49؛ ابن خلکان، 2/95؛ ابن منظور، أخبار...، ط بیروت، 12)، و من هنا جاء نسبه الحکمي (الجاحظ، البیان...، 3/156؛ الوشاء، 167، 200، مخـ؛ ابن عساکر، 4/254). وقد افتخر أبونواس نفسه لمرات عدیدة في أشعاره بقبیلة قحطان، وهجا العرب الشمالیین (العدنانیین) (2/1-20؛ ابن المعتز، 195-201). ومع ذلک، فقد اعتبر الدصمعي الراویة والنسابة المعروف المعاصر له، نسبه الولائي لقبائل الیمن مختلقاً، فقال: عدّ أبونواس کذباً أصله من موالي قبیلتي الحاء و الحکم (ظ: ابن منظور، ن.م، 22-23). وبالطبع یمکن اعتبار قول الأصمعي هذا مغرضاً، مصدره الاختلافات بینه و بین أبي نواس (ظ: تتمة المقالة)، إلا أن هناک روایات عدیدة أخری تؤید قوله. وقد نقل ابن منظور 3 روایات علی الأقل (ن.م، 24-29)، ومضمونها: أن کنیة أبي نواس کانت في البدء أبا علي، وأنه کان یعتبر نفسه من أحفاد عبیدالله بن زیاد (تـ 75هـ) من قبیلة بني تیم الله بن ثعلبة،وعندما أدرک أن عبیدالله لم یکن له ولد کف عن هذا الادعاء، واعتبر نفسه من قبیلة نزار، ومن أقرباء الشاعر المعروف الفرزدق، وأطلق مثله علی نفسه کنیة أبي فراس، وأخیراً کف عن ادعاء هذا النسب أیضاً، ونسب نفسه إلی قبیلتي الحاء و الحکم من قبائل لایمن، واختار لنفسه کنیة أبي نواس التي کانت کنیة ملوک الیمن. ویبدو من مجموع هذه الروایات أن أبانواس لم یکن یتمتع بأصل ونسب رفیعین، وأنه کان مضطراً إلی أن ینسب نفسه أحیاناً إلی قبائل العرب الکبری، والأمراء الرفیعي النسب، أو الأکاسرة، شأنه في ذلک شأن الکثیر من الشعراءالمغمورین المعاصرین له، هرباً من هجو المنافسین اللاذع، أو رعیاً لمصالحه (ظ: ابن منظور،ن.م، 30، 35)، إلا أن کل هذه المحاولات الکاذبة لم تجد له نفعاً أبداً کما یبدو، ولم تستطع أن تخفي أصله المجهول والمغمور، فبالإضافة إلی الأصمعي فإن الرقاشي، الشاعر المعاصر له، اعتبر في أشعار هجائیة له کل هذه الأنساب مزیفة (ن.م، 33-34؛ أیضاً ظ: ابن بسام، 4(1)/191). ومع ذلک، فإن البعض من المعاصرین اعتبروا انتسابه إلی قبیلة قحطان قطعیاً وقالوا: إن کون والد أبي نواس سميّ البطل الیمني هانئ بن مسعود، وکون أخیه أبي معاذ سميّ لمعاذ بن جبل الخزرجي، بل و کون جمیع، أو غالبیة أساتذته مرتبطون بشکل ما بالیمنیین، کل ذلک لم یکن عفویاً (العقائد، 86).

کانت والدة أبي نواس جُلبان، أو جُلنار أهوازیة، أو مننهر تیري بروایة أخری (ابن المعتز، 194؛ أبوالفرج، الأغاني، 20/74). وذکر البعض أن اسم أمه شَحمة (ظ: ابن منظور، ن.م، 11). وقد کان والده هانئ إیرانیاً علی قول الأصمعي، أو من أهل الشام من جند مروان آخر خلیفة أموي، وکان قد قدم إلی الأهواز للعمل في الشرطة، وتزوج من جلبان علی ماورد في بعض المصادر (أبوهفان، 108؛ ابن المعتز، ن.ص؛ قا: ابن منظور، ن.م، 10-11: روایات مختلفة نقلها حول مهنة أبیه وأمه).

وتتفق جمیع المصادر تقریباً علی أن مسقط رأس الشاعر کان الأهواز أو إحدی مناطقها (المناذر الکبری، أو المناذر الصغری، أو الجبل المقطوع المعروف براهبان) (ظ: أبوهفان، ابن المعتز، ن.صص؛ الخطیب، 7/448؛ ابن منظور، ن.م، 12). وابن خلکان هو الوحید الذي اعتبر البصرة مسقط رأسه استناداً إلی قول ابن الجراح.

وهناک اختلاف في تاریخ ولادته یتراوح بین سنوات 136 حتی149هـ (ظ: أبوهفان، 108-109؛ ابن قتیبة، الشعر، 2/692؛ الخطیب، ن.ص؛ ابن عساکر، 4/279؛ ابن الأنباري، 51؛ ابن منظور، أخبار، ط بیروت، 11؛ ابن نباتة، 316). ولاتوجد في المصادر و في أشعاره أیة قرینة تساعد علی تحدید تاریخ ولادته بدقة، ویبدو أن روایة تلمیذه یوسف ابن الدایة القاضیة بأن ولادته في 140هـ (أبوهفان، 109) أقرب إلی الصواب بین کل هذه الروایات. واستناداً إلی روایته فإن أبانواس کان یبلغ 10 سنوات عند ما فقد أباه، وأن أمه جلبان أودعته في الأهواز لدی أحد العطارین، ثم أخذته بعد سنتین، أي في الثانیة عشرة من عمره إلی البصرة (ن.ص). وقد جاءت في المصادر روایات أخری أیضاً تختلفعن الروایة السابقة، فقد قال البعض إن أمه حملته إلی البصرة في السنة الثانیة، أو السادسة من عمره، وأوکلت أمره هناک إلی أحد العطارین (ابن خلکان، ابن منظور، ن.صص؛ قا: فروخ، 2/158؛ شلق، 39).

 

تعرفه علی والبة بن الحباب

کان والبة من جملة من کان لهم تأثیر کبیر في تکوین شخصیة أبي نواس (ظ: ابن المعتز، 88). وتختلف الروایات، بل و تتناقض أحیاناً حول بدء اتصال الشاعر بوالبة، فاستناداً إلی إحدی الروایات (ظ: أبوهفان، 108-109) فإن أبانواس عندما ذهب من البصرة إلی الأهواز مع أستاذه العطار تعرف علی والبة الذي کان آنذاک یقیم في الأهواز، مقر حکم عمه (أو ابن عمه) أبي بجیر الأسدي النجاشي (ابن المعتز، 194؛ أبوالفرج، الأغاني، 16/150؛ ابن منظور، ن.م، 15-16). وقد ذکر ابن منظور في روایة أخری أن والبة عندما ذهب من الأهواز إلی البصرة رأی أبانواس في سوق العطارین، فولع به، وأخذه معه إلی الکوفة (ن.م، 14-15). وعلی أي حال فإن بدایة تعرف أبي نواس علی والبة کانت في حدود سنة 153هـ، وقد کان أبونواس یبلغ من العمر آنذاک 12 سنة (قا: صدقي،37؛ فروخ، ن.ص). ذکر البعض أیضاً أن أبانواس کان یعرف والبة جیداً قبل أن یتعرف علیه، وأنه کان مولعاً بأشعاره، بل ونقلوا عنه أنه کان ینوي الذهاب إلی الکوفة للالتقاء به، و سماع شعره (ابن خلکان، 2/95-96؛ ابن منظور، ن.م، 16).

وفیما یتعلق بحیاة أبي نواس في الکوفة لایتوفر لدینا سوی رکام من الروایات الممزوجة بالأساطیر تشیر کلها إلی سلوکه المنفلت، والعلاقات المنحرفة لوالبة مع أبي نواس (ظ: أبوهفان، مخـ؛ ابن منظور، ن.م، 16-20، مخـ). ویبدو أن إقامة الشاعر في الکوفة لم تدم طویلاً، إلا أن المسلم به أن هذه المدة القصیرة کان لها تأثیر عجیب في حیاة أبي نواس وشخصیته. وعلینا أن نتحری مصدر میله إلی المجون و الغلمان و الخلاعة التي ملأت حیاته کلها في هذه الفترة. فاختلاط الشاعر مع خلعاء مثل مسلم بن الولید (صریع الغواني) و الحسین بن الضحاک، وحضوره في المجالس المشبوهة، وإقباله علی أنواع المجون والخلاعة، کل ذلک بدأ اعتباراً من هذه الفترة. وبالطبع فإن الکثیر من الباحثین المعاصرین حاولوا دون التعمق في الروایات ودون الأخذ بنظر الاعتبار الأوضاع الاجتماعیة آنذاک أن یمحوا هذه الوصمة من حیاة أبي نواس، إلا أن الحقیقة أننا لانستطیع أن نتجاهل الروایات العدیدة التي تکدست في المصادر حول سلوکه المنحرف في هذه الفترة من حیاته. و صحیح أن أکثر هذه الروایات کاذبة وضعها رواة القرنین 4 و 5هـ، ولکن مما لاشک فیه أننا لانستطیع أن نعتبرها کلها مختلقة وبعیدة عن الحقیقة: أولاً، لأن أقرب المصادر إلی عصره من قبیل أخبار أبي نواس لأبي هفان الذي نقل أکثر روایاته عن یوسف ابن الدایة تلمیذ أبي نواس مشحونة بمثل هذه الروایات (ص 50-51، مخـ)؛ وثانیاً، أغلب هذه الروایات تتفق مع أشعاره التي هي في الحقیقة مرآة لحیاته. وبالإضافة إلی ذلک، فإننا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الظروف الاجتماعیة في ذلک العصر، وشیوع الانحراف بین طبقات المجتمع المختلفة، فإن علینا أن لانتوقع مصیراً غیر هذا لصبي ملیح الوجه، عدیم الأصل والنسب، منتم إلی الطبقة الدنیا، فقد أباه في الصغر، وترکته أمه لشدة الفقر والعوز، وتزوجت برجل آخر، خاصة وقد تولی أمر تربیته شخص مثل والبة بن الحباب الذي کان معروفاً بالخلاعة والمجون. وبالطبع فمما لاشک فیه أن والبة کان له دور مؤثر في تنمیة الموهبة الفنیة لدیه. واستناداً إلی روایة ابن المعتز، فإن والبة عندما سمع أبیاتاً لأبي نواس خاطب فیها فتاة صغیرة، أدرک موهبته وقریحته الشعریة، وهذا ما دفعه إلی أن یتولی تنشئته (ص 208؛ قا: ابن منظور، ن.م، 16-17؛ العباسي، 1/83). وبالإضافة إلی والبة، فقد کان لأحمد بن إسحاق الخارکي، الشاعر الماجن المعاصر له دور أساس أیضاً في انفلاته، علی مایقول أبونواس نفسه. ونحن لانمتلک معلومات کثیرة حول هذا الشخص، إلا أن ابن المعتز قال عنه نقلاً عن أبي نواس: «ومازال الناس یکاتمون بالمجون ووصف الخمر والحانات ... بالبصرة، حتی نشأ الخارکي فجاهر بالقول في ذلک ولم یحتشم فامتثلنا نحن ما أتی به وسلکنا نحن ذلک» (ص 306، أیضاً ظ: الهامش).

ومهما یکن من أمر فقد أمضی أبونواس مدة مع والبة، وحینما تفجرت قریحته الشعریة طلب منه والبة أن یعیش مع أهل البادیة کي یتعرف أکثر علی اللغة العربیة الأصیلة، فذهب أبونواس مع جماعة من بني أسد إلی البادیة، وأقام سنة فیها (ابن منظور، ن.م،20)، وعندما عاد إلی الکوفة ترک و البة و ذهب إلی البصرة (ن.م، 20، 35). وبالطبع فإن علاقة الشاعر بوالبة لم تنقطع بالمرة، واستمرت حتی وفاة الأخیر. ولیس معلوماً بالضبط تاریخ دخول أبي نواس البصرة، ولکن یبدو من روایة أبي الأصبع الهذلي أنأبا نواس أقام لفترة في البصرة في بیت أبي عمرو ابن العلاء (ظ: ن.م، 36-37). وعلی فرض صحة هذه الروایة، فعلینا أن نقول إن تاریخ عودته إلی البصرة کان قبل وفاة أبي عمرو بن العلاء، أي في 154هـ. ومع ذلک، فإذا اعتبرنا تاریخ اتصال الشاعر بوالبة سنة 152هـ، فسوف لایعود بالإمکان اعتبار مدة إقامته لدی والبة والأعراب أکثر من سنتین في المجموع.

 

في البصرة

کانت إقامة أبي نواس في البصرة علی مرحلتین، الأولی قبل ذهابه إلی البادیة، والثانیة بعده. أما المرحلة الأولی فلم تدم طویلاً، ویبدو أن سنّه في هذه الفترة لم کن یسمح له بأن یشترک في مجالس دروس الکبار و العلماء البارزین. ومع ذلک، فإن بعض الروایات یشیر إلی أن أبا نواس أمضی دراساته الابتدائیة في هذه الفترة. واستناداً إلی روایة ابن المعتز، فعندما اصطحبته أمه من الأهواز إلی البصرة أوکلت أمره هناک إلی الکتّاب (ص 194)، وعلی روایة أخری، قرأ أبونواس أثناء حیاة والده شعر ذي الرمة عند أحد رواة البصرة ویدعی الناشئ (ظ: ابن منظور، أخبار، ط بیروت، 14). ولکن الدراسة الجادة للشاعر کانت في الغالب في المرحلة التالیة، أي بعد عودته من البادیة، وانفصاله عن والبة. ولذلک أکدت المصادر القدیمة أن نشأته کانت في البصرة (ابن المعتز، 201؛ الخطیب، 7/436؛ أبوالفرج، الأغاني،6/179؛ ابن خلکان، 2/95؛ ابن منظور، ن.م، 13).

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: