الانکشاریه
cgietitle
1442/4/21 ۰۸:۰۲:۱۶
https://cgie.org.ir/ar/article/262744/الانکشاریه
1446/9/3 ۰۰:۱۴:۰۸
نشرت
9
الإنْكِشاريّة، أو «یکیچري» باللغة التركية، معناها الجندي الجديد وفرقة المشاة والدائم والموظف في مؤسسة العسكر العثمانية. كانت هذه الفرقة تتبع مؤسسة الانكشارية (يني چري أجاقي = أجاق يني چري) خاضعة لأوامر السلطان العثماني عند السفر أو الحضر. بدورها، كانت المؤسسة جزءاً من مؤسسة أكبر تحت عنوان «قابي قولو» التي كانت تخدم البلاط والسلطان وكانت تشكل فرقة المشاة في البلاط.1. 3. ليس لدينا ما يوضح تاريخ إنشاء الانكشارية على وجه التحديد. ورغم أن ظهور الإمارة العثمانية بيليك كانت أولى المقدمات لبلورة عسكر دائم في تاريخ المنطقة، إلا أن الاعتراف بالانكشارية كمؤسسة عسكرية كان في عهد مراد الأول المعروف بـ «خداوندگار» (عام 761-791ه / 1359-1389م) ثالث السلاطين العثمانيين (أوزون چارشيلي، «قابي قولي ...»، I / 144-145).وعندما تحولت الإمارة العثمانية إلى نظام حكم جديد بفعل اتساع رقعة فتوحاتها لاسيما في الجزء الأوروبي من الدولة البيزنطية (آق داغ، I / 418-423) أصبح التحول في قواتها العسكريـة ــ وهي في معظمها مـن فرسان القبائل وأفراد العشائـر، ــ أمراً لابد منه (م. ن، «تاريخ ... »، 127 / I). ولذلك، كان من الضروري إنشاء قوة عسكرية منتظمة ومدربة. وجاء قرار إنشاء عسكـر جديد في عهد أورخـان ــ ثانـي السلاطين العثمانييـن (ظ: ن.د) ــ في اجتماع حضره السلطان وشقيقه علاء الدين والقاضي تشاندارلي خليل (ن،ص؛ نشري، 1 / 154 ومابعدها؛ هامر پورغشتال، I / 86-87).وبذلك تشكل العسكر الجديد من الغلمان الأتراك في فرقتي المشاة (ياياويا، ياياق) والفرسان وأطلق عليه عنوان «المسلّم». كان يقاتل هؤلاء في زمن الحرب مقابل راتب يعادل آقچتین يومياً وبعد العودة من ساحات المعارك، كانوا يشتغلون بالزراعة في أراض تمنحها لهم الدولة العثمانية، من دون أن يدفعوا الضرائب (سويم، 264؛ أوزون چارشيلي، «تاريخ»، I / 127-128 ؛ نشري، ن. ص؛ سعد الدين، 1 / 40). بالرغم من أن العسكر الجديد كان أكثر فاعلية مقارنة بقوات العشائر، لكن الدولة العثمانية وبعد تزايـد فتوحاتها فـي الجزء الأوروبي ــ روم إيلي ــ لاسيمـا بعد فتح أدرنة في 712ه / 1312 م (ظ: ن. د) أصبحت بحاجة إلى المزيد من المقاتلين والقوات العسكرية. لذلك اقترح جاندارلي خليل وشيخ الإسلام ملا رستم، تجنيد أسرى الحرب المسيحيين، الأمر الذي وافق عليه السلطان مراد وتكونت بذلك النواة الأولى لمؤسسة الانكشارية (نوري باشا، 18-19 / II-I ؛ سويم،264-265).لم تكن الإمبراطورية العثمانية رائدة في تجنيد أسرى الحرب، فقد كان قبلهم السلاجقة في آسيا الصغرى والإيلخانيون والمماليك يجندون أسرى الحرب في مؤسساتهم العسكرية، وبذلك تقرر حشد الخمس من أسرى الحرب الذين كانوا حصة السلطان وفقاً للقوانين الشرعية (نشري، 1 / 196، 198؛ سويم، ن.ص؛ أوزون چارشيلي، «قابي قولو»، I / 144-146). وكان يتم تسليم هؤلاء الأسرى إلى عوائل المزارعین الأتراك كي يعتنقوا الإسلام ويتعلموا اللغة التركية والتقاليد السائدة لدى العثمانيين على مدى ثلاث أو خمس سنوات، قبل أن ينضموا إلى الانكشارية (ن.صص؛ آق داغ، I / 419-423؛ سعد الدین، 1 / 40). وعلى هذا، أطلقوا عنوان الانكشارية على هؤلاء المجندين (ن.ص).جاء ظهور مؤسسة الانكشارية في القرنين 7- 8ه / 13-14م متزامناً مع نشاطات مذاهب صوفية مختلفة كالبابائية والجلالية والأخية في جمیع أنحاء الأناضول، فانتمى أفراد الجيش العثماني إلى تلك المذاهب. وكانت تميل أغلبية أعضاء الانكشارية إلى الطريقة الأخية (ن.ع) (أوزون چارشيلي، «قابي قولو»، 147 / I). وكانوا یلبسون قلنسوة بيضاء یتدلی من خلفها وشاح طویل يطلقون عليه الأسكوف (سعد الدين، 1 / 40) تمييزاً لأصحاب الطريقة الأخية عن الآخرين (كوپرولو، 49؛ أوزون چارشيلي، ن.م، 148 / I ؛ نشري، 1 / 154). وكان من شأن هذا الغطاء في عهد أورخان، أن يميز بين قوات العسكر وقوات سائر البکوات الذين كانوا يمتازون بقبعة حمراء (ن. ص).وفي القرن 9ه / 15م تراجع دور الأخية ونفوذها في المؤسسة العسكرية وخضع أعضاء الانكشارية هذه المرة لنفوذ الطريقة البابائية الذين اشتهروا بالبكتاشية لانتمائهم إلى الحاج بكتاش الولي (أوزون چارشيلي، ن.م، 148-149 / I). كما يرى بعض الباحثیـن ومنهم محمد نشـري (1 / 154) وهامـر پورغشتـال (I / 92-93)، فإن الحاج بكتاش الولي صاحب الطريقة البكتاشية قد توجه بالدعاء لهولاء الجنود الجدد، تلبية لطلب أورخان واختار عنوانهم وزيهم أيضاً. لكن هناك ما ينفي هذه الرؤية، فالحاج بكتاش الولي قد توفي في النصف الأول من القرن 7ه / 13م ولم نرصد له أي تواصل مع الأسرة العثمانية ولم يرد ذكره حتى في «قوانين الانكشارية» التي كانت بمثابة دستور الانكشارية (أوزون چارشيلي، ن.م، 149 / I). غير أن عناصر الانكشارية كانوا تربطهم صلات وثيقة بمشايخ الطريقة البكتاشية في مختلف العصور، وذلك نتيجة للتقليد السائد آنذاك في انتماء أي صنف من الصنوف إلى أحد المشايخ. ولذلك كانوا يطلقون على الانكشاريـة حتى نهاية وجودها، عناويـن مختلفة كـ «أجاق يني چري» أو «أجاق بكتاشيان» أو الطائفة البكتاشية أو الزمرة البكتاشية وسلسلة الطريقة البكتاشية (ن.م، 149-150 / I). وكان للشیخ أو زعيم الطريقة البكتاشية مندوب في وحدات الانكشارية یمثل عنه. وفي مطلع القرن 11ه / أواخر القرن 16م كانت هناك وحدة عنوانها «هوركشان» تتمثل مسؤوليتها في رفع الدعاء إلى الانكشارية بكرة وأصيلاً (أوزون چارشيلي، ن.م، 159-160 / I).ومهما تكن الحال، تراجع اختيار عناصر الانكشارية من بين الدوشرمه إبان القرن 11ه، حيث انضم إليها أفراد آخرون من المسلمين سواء كانوا أتراكاً أم لم يكونوا (IA,XIII / 388).كانت أسلحة الانكشارية في بادئ الأمر تتمثل في السهام والأقواس والسيوف والدروع والخناجر والسنان، وكان يجري التدريب على تلك الأسلحة في دور التدريب (IA)، إلا أن عناصر الانكشارية تدربوا فيما بعد على الأسلحة النارية أي البنادق (ن.ص). وكانت الانكشارية تتمتع بفرقة موسيقية وعلم يخصها (أوزون چارشيلي، «سراي ... »، 442).كان یرأس الانكشارية قائد عام رتبته «آغا» أو «یکیچري آغاسي» وکان السلطان یختار «آغا» من بين الشخصيات الفاعلة والمؤثرة من فرق الانکشاریة. فإضافة إلى ذلك وفي عهد السلطان سليم الأول کان یتم اختیاره من بين الشخصيات التي كانت موضع ثقة لدى السلطان أو تنتمي إلى البلاط السلطاني أيضاً. وكان القائد العام يحضر اجتماعات الديوان السلطاني وديوان الانكشارية ــ آغا ديواني ــ التي كانت تناقش شؤون المؤسسة العسكرية.إضافة إلى آغا الانكشارية، كانت هناك شخصيات أخرى تحتل مراتب دنيا في هيكلة الانکشارية منها سگبان باشي وزغره چي باشي (مسؤول شؤون الصيد) ویکیچي افنديسي (الكاتب والمنشي) (للتفصيل ظ: أوزون چارشيلي، «قابي قولو»، ن. ص؛ آق داغ، 418-423 / I؛ پاكالين، III / 617). وسوى المهام القتالية التي كانت تقع على عاتق الانكشارية في فترة الحرب، كانت ثمة مهام أخرى تتولاها في زمن السلام، منها المرابطة على الحدود، تستمر ثلاثة أعوام لكل عنصر في الانكشارية (نعيما، 6 / 383) وتأمين السفارات (XIII / 389). كما انتشرت وحدات من الانكشارية تحت إمرة الآغا في قلاع المدن الكبرى الخاضعة للإمبراطورية العثمانية كبغداد واليمن وقبرص وأرز روم وفان وغيرها (ن.ص؛ أوزون چارشيلي، «قابي قولو»، I / 328-329).كانت السلطة تدفع رواتب عناصر مؤسسة الانكشارية كل ثلاثة أشهر، حسب نظامها الداخلي. وكان من ضمن التقاليد السائدة في المؤسسة، إعطاء السلطان العطايا والهبات للجند عند جلوسه علی العرش وكانوا يطلقون عليها «بخشیش الجلوس». كما كان يهبهم صلات أخرى تحت عنوان «بخشيش الرحلة» عند أسفاره الحربیة. وعادة ما كان التأخر في دفع المكافئات أو رفض دفعها، يثير إستياء عناصر الانكشارية وفي بعض الأحيان يتسبب في تمردهم، وهذا ما نراه في قضية محمد چاووش، أمين الجمارك، حينما رفض إعطاء الهبات وخفض نسبتها، ما تسبب بمقتله، بعد أن رفع عناصر الانكشارية شکواهم إلی السلطان الذي أصـدر بدوره مرسوماً بقتل الأمين (نعيما، 2 / 262؛ پاكاليـن، I / 314). لم تخلو تلك العطايا والهبات من انعكاسات سلبية على الإمبراطورية العثمانية، فقد أدخلتها في أزمة مالية عسيرة خلال القرن 11ه / 17م (ظ: ن.ص).لاتوجد إحصائية تزودنا بعدد عناصر الانكشارية على وجه الدقة. فقد كان قوامها عند بداية ظهورها يبلغ نحو ألف جندي (أوزون چارشيلي، «قابي قولو»، I / 155). إلا أنه وفيما بعد تغيرت هذه الكمية حسب الحاجة، فقد ارتفع، وفقاً للطفي باشا، عددهم إلى 10 آلاف فرد في عهد يلدرم بايزيد وأثناء قتال أنقرة (ص56). لكن هذه النسبة انخفضت في عهد مراد الثاني فبلغت 5 آلاف ومن ثم ألفي جندي لكنها ومن جديد أخذت منحى تصاعدیاً في القرن 10ه / 16م في عهد السلطان سليمان القانوني واستمر هذا التزايد حتى القرن 13ه / 19م (IA,XIII / 389 ؛ أوزون چارشيلي، ن، م، I / 611-620).كانت الانكشارية منذ انطلاقتها وحتى منتصف القرن 10ه / 16م، من أكثر الجيوش نظماً وانتظاماً على مستوى المنطقة، لكن ذلك تراجع تدريجياً ولأسباب مختلفة. كما أن عدم فاعلية الانكشارية في الحروب ورفضها طاعة القادة، جعل منها قوة غير منتظمة مثيرة للشغب تجلب المتاعب للمواطنين، کما تورطت في معظم اضطرابات إستانبول وظلت تشد أزر أهل الفتن. ولذلك ظهرت وتعززت فكرة التصدي لها وحلها (IA,XIII / 389).كان أول تمرد للانكشارية، في عهد السلطان مراد الثاني (عام 824-855ه / 1421-1451م)،حيث رفضت إقالة السلطان عن الحكم وتنصيب نجله محمد (الفاتح) بدلاً منه (للتفصيل ظ: أوزون چارشيلي، «تاريخ»، I / 375ff. ؛ نوري باشا، I-II / 40-41) وكان للوزير الأعظم چاندارلي خليل (ن.ع) الدور الأكبر في ذلك (هامر پورغشتال، I / 495 ؛ شاو، 1 / 103-104 ؛أوزون چارشيلي، «تاريخ»، I / 430,439-440 ؛ سويم، 321-332 ؛ كين راس، 95). وخلال هذه الإقالات والتنصيبات، أصبحت الانكشارية قوة حقيقية ومنذ ذلك التاريخ فصاعداً، مثلت دوراً كبيراً في عزل السلطان وسائر أركان السلطة أو تنصيبهم. وهذا ما نراه في قضية انقلاب سليم الأول على والده بايزيد الثاني، حيث وقفت إلى جانب سليم الأول الذي أغدق المال عليها إكراماً لها (نوري باشا، I-II / 199ff.؛ هامر پورغشتال، II / 364-365).وجاء ثاني تمرد لها إبان اندلاع حرب چالدران، عندما جهز السلطان سليم الجيوش لمهاجمة إيران، فتمردت الانكشارية وعزمت علی العودة، نتيجة طول مدة السفر وقلة الزاد (هامر پورغشتال، II / 409 ؛ سعد الدين، 2 / 287- 288؛ إينالجيق، 315). لكن سليم قضى على التمرد، مستعيناً بالعطايا وإغداق الأموال (ن.م، صص؛ شمعداني زاده، 492).كما أسلفنا، فالانكشارية أصبحت بذلك قدرة ذات شأن کبیر في اتخاذ القرارات وقد مرّت تدخلاتها في السلطة بتطورات یعتریها کثیر من الجزر والمد في مختلف الأدوار من التاريخ العثماني بما فيها عهد السلطان سليمان القانوني (هامر پورغشتال، III / 45-46 ؛ ID,XII / 390-391) وسائر السلاطين (ن.ص؛ دانشمند، II / 371-372). وتحول أفراد الانكشارية من قوات تجلب الأمن، وترابط على الحدود، إلى قوات تتواطأ مع المتمردين كالجلاليين (ظ: ن.د) فكانت تطرد القرويين من قراهم وتستولي على أراضيهم (ن.ص، توران، شرف الدين، 175-176). وكان عجزها في الحروب بما فيها الحرب ضد بولندا (أوزون چارشيلي، «تاريخ»، III / 128-132 ؛ پچوي 2 / 376 ومابعدها؛ شاو، 1 / 330-331) في عهد السلطان العثماني الثاني (عام 1027-1032ه / 1618-1622م)، جعل من الضروري إصلاح هيكلة الانكشارية. ولذلك، باشر السلطان العثماني الثاني بإجراء الإصلاحات، تفادياً لانهيار السلطة العثمانية (ن.صص؛ نوري باشا، I-II / 220-221).وكان يرى السلطان في الانكشارية العامل الرئيس وراء الهزائـم والتقهقر وعلـى هـذا أوقـف تجنيـد الدوشيرمـه الذيـن لم يخلصوا الوفاء للسلطة، وبدلاً من ذلك، وضع أسس جيش جديد قوامه الأتراك الأصليون من الأناضول وسورية (شاو، 1 / 331-332)، الأمر الذي دفع الانكشارية إلى التمرد تحت مظلة شيخ الإسلام ومن ثم قتل السلطان (ن،ص؛ أوزون چارشيلي، «تاريخ»، III / 134-141 ؛ نوري باشا، I-II / 221).أما الأزمة المالية التي مرت بها السلطة العثمانية في القرن 10ه / 16م فقد دفعت بعض عناصر الانكشارية لاسيما في المدن الكبرى، إلى الدخول في عمليات البيع والشراء أو تنفيذ الصفقات أو القيام بأعمال مثل أخذ الفدية والتهريب (IA,XIII / 392-393) وبهذا، ابتعدت الانكشارية كل البعد عن الانتظام والطاعة للسلطان في القرن 11ه / 18م وخرجت بالتالي عن سيطرة الدولة (ن.ص).تراجع دور الانكشارية ومواردها المالية (شاو، 1 / 411) بفعل سياسات إبراهيم باشا نوشهرلي الصدر الأعظم للسلطان أحمد الثالث (للتفصيل ظ: ن.د، إبراهيم باشا نوشهرلي) ما أثار انتفاضة الانكشارية بقيادة رجل يدعى باتروناي من أصول آلبانية، الأمر الذي انتهى بانتزاع السلطة عن السلطان وعزله ومقتل الصدر الأعظم (نوري باشا، III-IV / 38-40؛ أوزون چارشيلي، «تاريخ»، IV / 204-208 ؛ شاو، 1 / 414).لم تقف محاولات إصلاح المؤسسة عند ذلك، فقد بادر محمود الأول السلطان العثماني الرابع والعشرون في القرن 12ه / 18م، بإجراء إصلاحات في الانكشارية عبر توظيف فرنسي حديث الإسلام يدعى بنوال الذي اختار اسم أحمد لنفسه بعد إسلامه. وأوجد أحمد فرقة حربیة على الطريقة الأوروبية الجديدة (شاو، 1 / 415-416؛ أوزون چارشيلي، «تاريخ»، IV / 321-326)، كما أوجد فرقة «خمپاره چي» (= إطلاق القذائـف) واشتهـر هـو نفسـه بأحمـد باشا خمپـاره چـي (ن، صص).توالت هزائم السلطة العثمانية في الحروب لاسيما في الحرب مع روسيا والنمسا في 1201-1206ه / 1787-1792م، ما أثبت عدم فاعلية الانكشارية من جديد (نوري باشا، III-IV / 180 ff.) إضافة إلى أن الفساد وتفشي ظاهرة الارتشاء جعلها تتآكل وجعل بالتالي السلطان سليم الثاني صاحب الرؤية الإصلاحية، كي يقرر مراجعة المؤسسة وإعـادة بناء هيكلتها من جديد (أوزون چارشيلـي، «قابي قولو»، I / 496-497 ؛ كارال، V / 60 ff.).اشتهرت فكرة الإصلاح والتغيير في هذه المرحلة من التاريخ العثماني بـ «نظام جديد» حيث كانت الغاية من وراءها، إيجاد جيش جديد على نمط الجيوش الأوروبية وإنشاء مؤسسات مختلفة للتدريب العسكري وما شابه ذلك (للتفصيل ظ: كارال، V / 61 ff.). أما الهدف الرئيسي من وراء تلك التعديلات، كان إصلاح الانكشارية أو حلها. لكن عدد أنصار فكرة الإصلاح، الذين كانوا يدعمون السلطان، كان ضئيلاً جداً مقارنة بمعارضيها الذين كان أبرزهم الشخصيات المرموقة في السلطة والصدر الأعظم وشيخ الإسلام وقيادات وعناصر الانكشارية. أثار معارضو الإصلاح أعمال شغب في أنحاء البلاد کافة وعاثوا فساداً، وانتهى الأمر بعزل السلطان سليم وبالتالي مقتله (كارال، V / 77-83,88؛ شاو، 1 / 472-473؛ نوري باشا، III-IV / 217 ff.). ما ترتب عن كل ذلك كان عودة سيطرة الانكشارية على مقالید الحکم. تفادياً لأي أعمال انتقامية، أقدم المتورطون في الاضطرابات ومعهم قادة الانكشارية، على إبرام اتفاقية مع رموز الدولة، أطلقوا عليها «الحجة الشرعية»، تعهدت الانكشارية بموجبها، بعدم التدخل في شؤون الدولة (كارال، V / 84؛ شاو، 1 / 474). لم يدم طويلاً حكم السلطان الجديد مصطفى الرابع وعوقب بعض مؤيدي الإصلاحات مثل مصطفى البيرقدار وقتلة السلطان سليم ونقلوا السلطة إلى محمود الثاني الذي كان قد هرب من أمام القتلة (كارال، V / 88-89).عرض السلطان الجديد مقترحات على الانكشارية لإعادة النظام، كان من ضمنها إلغاء الامتيازات الخاصة التي كانوا يتمتعون بها وتقاضي الرواتب مقابل الخدمة العسكرية وتغيير سلاحهم التنظيمي والاستعانة بالأسلحة الأوروبية الجديدة وطاعة السلطان والصدر الأعظم (م.ن، V / 92). وأبرم رجال الدولة هذه الوثيقة المعروفة بـ «وثيقة التوافق»، كما أفتى شيخ الإسلام فتوى، تأييداً لها (م.ن، V / 93) لكنها لم تلق قبولاً لدى عناصر الانكشارية، فرفضوها وأثاروا الاضطرابات وأضرموا النيران في إستانبول وتصدوا للسلطان والقوات المؤيدة له. وفي نهاية المطاف، تم قصف مقرهم بالمدفعیة بمرسوم من السلطان وبقيادة آغا حسين باشا ــ آغا یکیچري ــ وبذلك جرى قمعهم، قبل أن يفشي السلطان محمود الثاني ومن خلال فرمان سلطاني (= مرسوم ملكي) ظلمهم وخياناتهم تجاه الدولة والأمة (كارال، V / 148-149؛ نوري باشا، III-IV / 253 ff.). لاقى القضاء على الانكشارية والتخلص من ظلمهم، ارتياحاً لدى أوساط الشعب. تُعرف هذه الحادثة في التاريخ العثماني بـ «واقعه خيريه». وحظرت السلطة بعدها التحدث بشأن الانكشارية (كارال، VI / 149-150) وعقب حل الانكشارية، تم حظر نشاطات الطريقة البكتاشية التي كانت تدعمهم في جميع الأحوال (ن. ص؛ أوزون چارشيلي، «قابي قولو»، 566 ff.). وبإلغاء الانكشارية، ظهر عسكر جديد يحمل عنوان «عساكر منصوره محمديه» في 9 من ذي القعدة 1241ه / 15 حزيران 1826م وبذلك انطوى تاريخ الانكشارية وفقدت قيمتها وأهميتها بعد أن كانت لعدة قرون عاملاً إستراتيجياً في صعـود نجم الدولة العثمانية والحفاظ على عظمتها وهيبتها (ظ: أوزون چارشيلـي، «قابي قولـو»، م.ن، ن.م، I / 548-565 ؛ نوري باشا، III-IV / 253-256).
پچوي، إبراهیم، تاریخ، إستانبول، 1283ه؛ سعد الدین، محمد، تاریخ التواریخ، استانبول، 1279ه؛ شاو، إ. ج.، تاریخ إمپراتوري عثماني وترکیۀ جدید، تج: محمود رمضان زاده، مشهد، 1370ش؛ شمعداني زاده، سلیمان، مريء التواریخ، إستانبول، 1338ه؛ کین راس، جان پاتریک، قرون عثماني، تج: پروانه ستاري، طهران، 1373ش؛ لطفي پاشا، تواریخ آل عثمان، إستانبول، 1341ه؛ نشری، محمد، کتاب جهان نما، تق: رشید اونات ومحمد کویمن، أنقرة، 1995م؛ نعیما، مصطفی، تاریخ یا روضة الحسین في خلاصة أخبار الخافقین، إستانبول؛ وأیضاً:
Akdağ, M., Türkiye’nin İktisadi ve İçtimai tarihi, Istanbul, 1977; Danişmend, İ. H., İzahlι Osmanli tarhi kronolojisi, Istanbul, 1971; Hammer-Purgstall, J., Geschichte des osmanischen Reiches, Graz, 1963; İnalçik, H., » The Rise of the Ottoman Empire«, The Cambridge History of Islam, eds. P. M. Holt et al,. Cambridge, 1970, vol. I(A); Karal, E. Z., Osmanlt tarihi, Ankara, 1982; Köprülü, M. F., Osmanlι İmparatorluğunun kuruluԫu, Ankara, 1972; Nuri Paԫa, M., Netayiçül-vukuat, ed. N. Çağatay, Ankara, 1992; Pakalιn, M. Z., Osmanlι tarih deyimleri ve terimleri Sözlüğü, Istanbul, 1971; Sevim, A. and Y. Yusel ,Türkiye tarihi fetih Selsuklu ve Beylikler dönemi, Ankara, 1989; Turan, O., »Anatolia in the Period of the Seljuks and the Beyliks«, The Cambridge History of Islam, ed. P. M. Holt et al., Cambridge, 1970, vol. I(A); Turan, Ԫ., Kanuni’nin Oğlu Sehzâde Bayezid vak’asi, Ankara, 1961; Uzunιarçili, İ. H., Osmanlι Devleti’nin Saray teşkilâti, Ankara, 1984; id, Osmanlι Devleti teşkilatιna Medhal, Ankara, 1984; id, Osmanlι Devleti teşkilatιnda Kapukulu ocaklarι, Ankara, 1984; id, Osmanlι Tarihi, Ankara, 1982. علي اکبر دیانت / غ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode