امبیدوکلیس
cgietitle
1441/12/11 ۱۴:۳۴:۲۵
https://cgie.org.ir/ar/article/260254/امبیدوکلیس
1446/9/2 ۲۳:۴۶:۰۱
نشرت
9
إمْبيدوکْلیس، أو إنباذقلس، إنبادقلس، بندقلس، فيلسوف يوناني عاش ما قبل سقراط. لاتتوفر لدینا معلومات دقيقة عن حياته ما عدا عدة روایات متناثرة وناقصة. وفضلاً عن ذلک یزودنا کتاب «تراجم الفلاسفة المبرزین ومعتقداتهم» لديوجنیس لايِرتيوس (نهاية القرن2م) ببعض المعلومات حوله (الکتاب VIII، البنود، 51-77). کان اسم جده مثل اسمه واسم والده ميتون. ولد في مدينة أكراغاس المعروفة (جيرجنتي حالياً) في جزيرة صقلية واستناداً إلى ما ذكره ديودوروس المؤرخ الصقلي المعروف (القرن 1م) ومؤلف كتاب «العالم القديم»، فقد كان لوالد إمبيدوکلیس دور هام في ثورة أهالي مدينة أكراغاس في 470 ق.م في إخراج تراسيدايوس حاكم المدينة المستبد، وإقامة حكومة ديمقراطية، حتی أصبح بعد ذلك، أحد أكثر رجال تلك المدينة نفوذاً.اختلطت حياة إمبيدوكليس الخاصة والاجتماعية بأساطير كثيرة. وما يمكننا أن نتوصل إليه من حياته بعيداً عن الأساطير، هو أنه كان أحد المؤيدين المتحمسین للديمقراطية في مسقط رأسه وکان له دور مهم للغاية في الأحداث التي وقعت بعد موت ثيرون حاكم أكراغاس المستبد في 472 ق.م. كما كشف النقاب بكل دهاء وكفاءة عن مؤامرة الحزب الأرستوقراطي، والمعروفة بمؤامرة «الألف رجل» واستطاع أن يستأصلها بمساعدة الشعب. ومن ثم أراد أبناء المدینة أن يختاروه حاكماً لأكراغاس، ولكنه رفض، وفضل أن ينعم بمحبتهم وثنائهم كمواطن عادي (م.ن، الكتاب VIII، البند 63). وينقل عن أرسطو أنه كان بطل الحرية ومخالفاً لأیة سلطة (ن.ص).کما قیل إنه كان مؤسساً لفرقة دينية، بل كان يدعي الألوهية حتی أصبح أتباعه يعبدونه. وبالطبع، فإننا يجب أن نتتبع جذور هذه الأسطورة في أن إمبيدوكليس كان يجالس الفيثاغوريين، وكان له أتباع بينهم. ومن جهة أخرى، فإن الحركة الأرفيوسية الدینیة التي كانت قد حققت انتشاراً واسعاً في القرنين 6و5 ق.م في اليونان وخاصة في بلاد اليونان الكبرى، أي القسم الإيطالي والمستعمرات اليونانية، كانت قد تركت دون شك تأثيراً عميقاً وواسعاً في آراء إمبيدوكليس الدينية والعرفانية، وما یمکن قوله هو أن تلك الفرقة كان لها أتباع كُثُر وقتئذ في أكراغاس. واعتبر أرسطو، إمبيدوكليس مبدعاً لفن الخطابة (م.ن، الكتاب VIII، البند 57). وقد قيل إن غورغياس الفيلسوف السوفسطائي المعروف، كان تلميذه وقد اعتبر جالینوس، الطبيب الشهير إمبيدوكليس مؤسس المدرسة الطبیة الإيطالية. ولعله اشتغاله بالطب والبحوث الطبية جعل منه رجلاً ساحراً وصاحب إعجاز في الأساطیر کما قیل إنه أحیا فتاة قد مضى على وفاتها زمن (م.ن، الكتاب VIII، البند 61). كما عرف بإنجازاته في مجال توفير الخدمات الصحية لأهالي أكراغاس وقيل إنه طهر المستنقعات المحيطة بهذه المدينة من بعوض الملاريا.وقد اختلقت أساطیر متعددة حول كيفية موته، حیث قيل إنه ألقی بنفسه في إحدى الفوهات البركانية في جبل إتنا كي يصدق أتباعه وهم يعظمونه إلى حد العبادة، أنه التحق بالآلهة کما كان في الدنيا واحداً منها. ومهما کان الأمر يجب القول إن إمبيدوكليس، لم يعد إلى مسقط رأسه بعد حضوره احتفالات الأولمبياد، أو إنه غادر أكراغاس مرغماً بسبب النفوذ المتزايد للشرائح الأرستوقراطية واضطرابات الحياة السياسية، وهاجر إلى بلوبونز، وهي منطقة معروفة في اليونان تسمى اليوم موريا ولم یلبث حتی توفي فیها (م.ن، الكتاب VIII، البند، 66-67).
تنسب إلى إمبيدوكليس عدة آثار منها 43 مأساة ومنظومات شعریة ولکن لم یصلنا من أعماله الشعریة سوی مجموعتین إحداهما «حول الطبيعة» والأخری «التطهیرات» وکانت منظومة «حول الطبيعة» تضم ألفي بيت ولم يصلنا منها سوى خُمسها كما لم يتبق من المنظومة الثانية سوى بضع مقطوعات. يعتبر إمبيدوكليس ثاني فيلسوف يوناني بعد برمنیدیس عبر عن فلسفته في قالب الشعر التعليمي ـ الملحمي، ويتميز بأسلوب ناضج ولغة مفعمة بأنواع المجاز، موجزة وصعبة أحياناً ويمكن أن نجد جميع المقطوعات المتبقية من إمبيدوكليس في كتاب الباحث واللغوي الألماني الشهير هيرمان دیلس، تحت عنوان «مقطوعات قبـل السقراطيين» (لترجمة أهم المقطوعات، ظ: خراساني، 343-365).
يكاد جميع ما جاء في المصادر العربية حول إمبيدوکلیس أن يكون مختلقاً فهو لایشبه آراءه الأصيلة أدنی مشابهة. ویعود السبب في ذلک إلی ظهور نزعة جدیدة في العصر الثقافي الهليني، وخاصة في الآثار الفلسفية للأفلاطونية المحدثة، تدعو إلى إعادة تكوين الشخصيات الفلسفية اليونانية القديمة والبارزة بدافع الحاجات والضرورات الفلسفية في ذلك العصر، وإلى أن يجعلوا من الفلاسفة القدماء وجوهاً لاترتبط ولو بصلة قريبة بوجوههم التاريخية الحقیقیة وأن تنسب إليهم آراء وأفكار ليست لهم مطلقاً ولایوجد أي أثر لها في آثارهم الأصيلة المتبقية. وفي هذا الصدد، لم یکن إمبيدوکلیس بمنأی عن هذا المصير. وما جدیر بالذکر هو أن هذه المصادر الأفلاطونية المحدثة أو بالأحرى، المؤلفات التي ظهرت في ذلك العصر أصبحت في الغالب من أهم المصادر الیونانیة التي نقلت إلى العربية في القرون الإسلامية الأولى كما كانت هذه الترجمات تعتبر بدورها المصدر الوحيد المتوفر لدی المؤلفین الذین ألفوا آثاراً في آراء الفلاسفة وعقائدهم باللغة العربیة. ومن هذه الترجمات، رسالة تعد من أقدم المصادر بعنوان آراء الفلاسفة باختلاف الأقاويل في المبادي في الباري المنسوبة إلى أمونيوس (تـ 517 أو 526م) الفيلسوف الأفلاطوني المحدث ولم يتبق اليوم سوى مخطوطة منها في مجموعة بمکتبة أيا صوفية في ترکیا. ونجد في هذه المخطوطة الآراء المنسوبة إلى أمبيدوکلیس في الورقة 109 اليسرى وما بعدها و130 اليمنى وما بعدها (تضم هذه الرسالة في ترقیمها المستقل 75 صفحة ونحن نتبع هذا الترقيم في مصادر هذه المقالة).ما ذكره المؤرخون ومؤلفون القدامى حول إمبيدوکلیس المزيف وآرائه المنتحلة، ورد في مثل هذه الکتب: صوان الحكمة لأبي سليمان المنطقي السجستاني (تـ بعد 391ه / 1000م)، تحقيق ما للهند لأبـي الـريحان البيروني (تـ 420ه / 1048م)، الفِصَـل لابن حـزم الأندلسي (تـ 456ه / 1064م)، طبقـات الأمم لصاعـد الأندلسي (تـ 462ه / 1069م)، الملل والنحل للشهرستانـي (تـ 549ه / 1153م)، تاريـخ الحكماء للقفطي (تـ 646ه / 1248م)، عيـون الأنباء لابن أبي أصيبعـة (تـ 668ه / 1270م)، روضة الأفراح ونزهة الأرواح للشهرزوري (القرن 7ه / 13م). كما وردت في غاية الحكيم المنسـوب إلـى المجريطـي بعض آراء إمبيـدوکلیس المزيـف (ظ: المجريطي، 285-294).تدور غالبية ما نقل في المصادر العربية من آراء إمبيدوکلیس المزيف حول اللاهوت، ومعرفة الكون، وعلم الإنسان ونزعته العرفانية، في حين تكتفي بعض المصادر بإشارة خاطفة إلى آرائه الأصيلة. ويعتبر إمبيدوکلیس في هذه المصادر أحد الفلاسفة اليونانيين الخمسة الكبار الذين يسمون «أساطين الحكمة»، ویلیه فيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو. وجاء في هذه المصادر أنه كان يعاصر داود النبي (ع) وأنه تلقى الحكمة من لقمان الحكيم في الشام، ثم ذهب إلى بلاد اليونان وأدلى فيها بأحاديث حول خلق العالم كان ظاهرها الطعن في يوم القيامة والمعاد، مما أدى إلى ابتعاد طائفة من الناس عنه. وقيل إنه ألف أثراً في هذا المجال كان القفطي قد رآه في بيت المقدس (ظ: صاعد الأندلسي، 72؛ القفطي، 15؛ ابن أبي أصيبعة، 1 / 36؛ الشهرستاني، 2 / 257؛ الشهرزوري،50-51).
يبدو أن آراء الفلاسفة لأمونيوس كان المصدر الرئیس أو أحد المصادر الرئیسة التي استقی منها المؤلفون المسلمـون ــ مباشرة أو بشکـل غیر مباشـر ــ آراء إمبيدوکلیس المزيف في معرفة الله. وأما المصدر الرئيس الآخر حول بعض آرائه فهو رسالة نوادر الفلاسفة في آراء الحكماء اليونانيين (مخطوطة المكتبة المركزية لجامعة طهران، رقم 2103). وقد جاء في آراء الفلاسفة أن إمبيدوکلیس «يرى أن الهوية الأزلية لیست إلا لله وهي مقترنة بأزلية الدهر، بل إن كل أزلية تحتها: فالله هو العلم المحض وهو الإرادة المحضة والجود والعزّ والقدرة والخير والعدل والحق لا أن هناک قوی هماة بهذه الأسماء بل هو هویة وهو هذه کلها مبدع فقط لامبدَع من شيء ولا أن شیئاً کان معه فأبدع الشيء البسيط الذي هو أول البسيط المعقول، وهو العنصر الأول. ثم کثر الأشياء المبسوطة من ذلك المُبدَع البسيط الواحد الأول. ثم کون المرکبات من المبسوطات وهو مبدع الشيء واللاشيء العقلي والفكري والوهمي. وذكر أن الصور إنما أبدعها المبدع لا بنوع علم وإرادة بل بنوع أنه علة فقط فإذا کان المبدع إنما أبدع الصور بنوع أنه علتها، فالعلة ولامعلول؛ وإلا فالمعلول مع العلة فإن جاز لقائل أن المعلول مع العلة فالمعلول حینئذ لیس هو غیر العلة بل للمعلول أبداً یکون معلولاً إذا كان تحت العلة؛ فالعلة إذا كانت علة العلل، فهي علة كل معلول تحتها. فلا محالة من المعلول أن المعلول لم يكن في العلة، من جهة من الجهات البتة وإلا فقد بطل اسم العلة من المعلول». والله «هو» وليس معه في العالم أي شيء، سواء كان مركباً، أو بسيطاً. وعلى هذا فعندما يقول إمبيدوکلیس أنه «هو» وليس شيئاً آخر، فحينئذ يبقى الله وقد أبدع كل شيء مركب، أو بسيط على تلك الشاكلة. والله أبـدع كل شيء، وهـو العلة فقط ( آراء الفلاسفة... ، 5-6؛ أيضاً ظ: الشهرستاني، 2 / 257-258). ثم یقول: «فالمعلول الأول هو العنصر، والمعلول الثاني یتوسطه العقل والثالث تتوسطه النفس، وهذه بسائط ومتوسطات، وبعدها مرکبات». وذكر في موضع آخر «العنصر الأول بسیط من نحو ذات العقل الذي دونه ولیس هو دونه بسیطاً مطلقاً أي واحداً بحتاً من نحو ذات العلة، فلا معلول إلا وهو مرکب ترکیباً عقلیاً أو حسیاً فالعنصر في ذاته مرکب من المحبة والغلبة وعنهما أبدعت الجواهر البسيطة الروحانية، والجواهر المرکبة الجسمانیة» ( آراء الفلاسفة، 6-7؛ قا: الشهرستاني، 2 / 258-259).ويجب أن نشير هنا إلى أن مصطلحي «المحبة» و«الغلبة» ترجمة لكلمتي فيلوتس (فيليا) ونیکوس حیث يعتبرهما إمبيدوكليس الحقیقـي الدافعين والعلة الفعالة في عالم الوجـود (ظ: خراساني، 372-375). ونقل عنه أن الله، أو المبدع الأول، بنوع حرکة وسكون، وإنه متحرک بنوع سکون لأن العقل والعنصر متحرکان بنوع سکون وهو مبدعهما ( آراء الفلاسفة، 11؛ الشهرستاني، 2 / 264).لقد ذکر القدماء في آثارهم بعض آراء إمبيدوكليس المزيف في صفات الله. کما أورد أبو سليمان السجستاني أولاً مختصراً من أصول آراء إمبيدوكليس الحقیقي بشکل صحیح ودقیق نقلها حرفياً من كتاب الآراء الطبيعية (المنسوب إلى بلوتارك)، حیث یقول إن إمبيدوكليس كان يقول بالعناصر الأربعة وهي النار والهواء والماء والأرض، وكان يرى أن المبادئ هي المحبة والغلبة، فالمحبة تفعل الاتحاد والغلبة تفعل التفرقة (أبو سليمان، 81؛ أيضاً ظ: «الآراء الطبیعیة»، 103). ثم نقل رأي إمبيدوكليس حول صفات الله. واستناداً إلى هذا الرأي، فإن الله تعالی «إن وصف بالعلم والجود والإرادة والقدرة فلیس هو ذو مكان متميز یختص بهذه الأسماء المختلفة لکن کما أنّا نقول لکل واحد من موجودات العالم إنه معلومه ومقدوره ومراده وفیض جوده، من غیر أن نثبت منه معاني تنتهي، کذا أیضاً نصف موجدها بالعلم، والجود والقدرة والإرادة، وإن کان واحداً فرداً. وکما أن وجوده لیس یشبه شیئاً من موجودات العالم أو الموجودات العالمیة محققة بالوجود الإمكاني أعني بحسب الصنعة، وذاته واجبة الوجود لابحسب الصنعة، کذا وحدانیته لیس تشبه وحدانية شيء من موجودات العالم، إذ الوحدانيات العالمیة معرّضة للتکثر إما بأجزائها، وإما بمعانيها، وإما بنظائرها، وذاته متعالیة عن هذا. فهو إذن وإن صلح أن یوصف بالعلم والجود والقدرة والإرادة، فمن أخص صفاته هو أنه حق بذاته وحكيم بذاته. وإن معنى «الحق» أن وجوده بحیث یمتنع علیه إطلاق اللاوجود وأن معنى «الحكيم» هو أنه موجد لكل شيء على أتم مایلیق به من الغرض» (ص 87).لقد ذکر صاعد الأندلسي أن إمبيدوكليس أول من اعتقد بالجمع بين معاني صفات الله تعالی وإنها کلها تؤدي إلى شيء واحد والله هو الواحد بالحقيقة ولایتکثر بوجه ما (ص 73). ثم ينقل عبارات أبي سليمان بحذافيرها وهذا ما يدل على أنه قد نقلها من صوان الحكمة لأبي سلیمان السجستاني أو اقتبسها کل منهما من مصدر مشترك آخر (أيضاً ظ: القفطي، 16، الذي ينقل من صوان، أو طبقات).
تنسب إلى إمبيدوکلیس المزيف آراء في معرفة الکون تمثل جميعها النزعة الأفلاطونية المحدثة. منها ما ذکر أن الله تعالی أبدع خمسة جواهر وجعل بعضها فوق بعض وردت أسماؤها في المصادر بأشكال مختلفة بتقدم وتأخر وهي: المادة الأولى (الهيولی الأولى) والعقل والنفس والطبيعة والمادة الثانية (الهيولی الثانية) أو العنصر الجرمي وهو العنصر الجسماني؛ أو حسب ترتیب آخر فهي: العقل والنفس والهيولى والصورة والجسم (ظ: المجريطي، 286-287؛ الشهرزوري، 54). ثم يقال: «إن من هذه الجواهر الخمسة، ثلاثة نقية من النور، روحانية وبسيطة وکل واحد منها محيط بالجوهر الذي هو دونه أما الجوهران الآخران، فهما أفق للثلاثة. ولذلك صارت هذه الجواهر مبسوطة لأن النور محيط بها؛ ولأنه لما صار کل جوهر من هذه الجواهر محیطاً بصاحبه کإحاطة الفلك بالفلك، کان نور كل واحد من هذه الجواهر، متصلاً بنور صاحبه؛ یستمد الذي هو أدنى من صاحبه الذي هو أعلى منه بوصلة واحدة لا فرق بينهما، أکثر من أنه يصل إلى الأول قبل الثاني وإلی الثاني قبل الثالث؛ والوصلة بينهما غیر منقطعة إلی أن یصل إلى الطبيعة، فینقطع لأن فلك النفس لا يحيط بفلك الطبيعة، والطبیعة تحیط بفلک الهیولي الثانیة والعقل ممد النفس بنور الهيولى الأولی فتقبضه على الطبيعة» (م.ن، 54-55). ومما حري بالذکر هو أن أصول الجواهر الخمسة المنسوبة إلی إمبيدوكليس المزيف جاءت في النظام الوجودي لأفلوطین (ن.ع) وهي: الواحد والعقل والنفس والطبيعة والمادة، أو الهيولى (ظ: آسين پلاثیوس، 61).ومن جهة أخرى واستناداً إلی آراء، إمبيدوكليس المزيف ینقسم العالم بأکمله إلی 12 قسماً: «4 أقسام منها الأجرام السفلیة أي الأرض والماء والهواء والنار و8 منها الأجرام العلوية، أي السماوات السبع والكرسي المحيط بها؛ وإن فوق هذا العالم، عالماً نورانیاً لايدرك العقل حسنه وبهاءه وإليه تشتاق الأنفس الزكية وإن كل قسم من هذه الأقسام منضود تحت القسم الذي يعلوه، وهو بالإضافة إلی المستعلی علیه کالثقل له». وأما الرأي الآخر لإمبيدوكليس المزيف، فهو «أن السماء في النشأة الثانیة تصیر بلاکواکب، فإن سبب ثباتها فیها هو سرعة حركات الأفلاك الحاملة لها؛ وكل متحرك فإلی سکون ما ومهما سکنت الأفلاک عن دورانها، فإن کواکبها تتناثر فتصير محيطة بالأرض متصلاً بعضها ببعض كالدائرة الملتهبة وإن كل نفس کانت دنسة وشريرة، فإنها تبقى في هذه الأرض المحاطة باللهيب وتصير السماء للأنفس الزكية کالأرض وتصیر سماؤها سماء نورية أشرف من هذه. وهناک الحُسن المحض واللذة المحضة» (أبو سليمان، 87-88؛ أيضاً ظ: آراء الفلاسفة، 44).يضيف الشهرستاني أيضاً ملاحظات إلى آراء إمبيدوكليس المزيف بشأن العالم یستوقفنا منها الرأي الذي يقول «لما صور العنصر الأول في العقل ما عنده من الصور المعقولة الروحانية وصور العقل في النفس ما استفاد من العنصر صورة النفس الکلیة في الطبيعة الكلية ما استفادت من العقل، فحصلت قشور في الطبيعة لا تشبهها ولاهي شبیهة بالعقل الروحاني اللطيف، فأما نظر العقل إلیها [تلك القشور] وأبصر الأرواح واللبوب في الأجساد والقشور، ساح عليها من الصور الحسنة الشریفة البهیة، وهي صور النفوس المشاكلة للصور العقلية اللطیفة الروحانية، حتی يدبرها ویتصرف فیها بالتمییز بين القشور واللبوب فيصعد باللبوب إلى عالمها. وكانت النفوس الجزئية، أجزاء النفس الكلية كأجزاء الشمس المشرقة على منافذ البيت، والطبيعة الكلية معلولة للنفس، وفرق بين الجزء وبين المعلول، فالجزء غير والمعلول غير وخاصة النفس الكلية المحبة لأنها لما نظرت [النفس] إلى العقل وحسنه وبهائه أحبته حب وامق عاشق لمعشوقه فطلبت الاتحاد به وتحركت نحوه، وخاصة الطبيعة الكلية الغلبیة، لأنها لما وجدت لم يكن لها نظر وبصر تدرك بها النفس والعقل فتحبهما وتعشقهما، بل انبجست منهما قوى متضادة، أما في بسائطها فمتضادات الأرکان، وأما في مرکباتها فمتضادات القوی المزاجیة والطبیعیة والنباتیة والحیوانية» (الشهرستاني، 2 / 260-261).وفي مصدر آخر، ينقل عن إمبيدوكليس المزيف: «للطبیعة جوهر بسيط، ذو صورة واحدة، أي تقبل الصور صورة صورة أي صورة بعد فناء صورة ولاتقبلها مجتمعة والطبيعة فیها قوة الحياة، إلا أنها صورة الحياة، كما أن الصبي صانع للصناعات کلها بالقوة فإذا خرج فیما خرج منها وتدرب فیه کان صانعاً بالفعل».وفي موضع آخر نقل عنه أن «كل جوهر يدرك بالحواس الخمس الظاهرة الجسمانیة فهو جوهر جرم جسماني محض مرکب فانٍ فاسد لأن المکان محیط به والحدود تدرکه وکل جوهر لاتدرکه الحواس الخمس الظاهرة بل تدرکه الحواس الخمس الباطنة الروحانیة فهو جرم جوهر روحاني بسیط محض باقٍ في نور الربوبیة إلی الأبد لا یدثر ولایفسد لأنه لایحیط به مکان ولایدرکه حد وکل جوهر یدرکه بعض الحواس الظاهرة فهو جرم بین البسیط الروحاني والمرکب الجسماني. فما کان منه جسمانیاً لحق بالجسمانیات ودثر معها مثل الحرکة الزمانیة والألوان وما کان منها روحانیاً مثل الضیاء والنور لحق بالروحانیة العلیا واتحد معها وبقی» (المجریطي، 285، 289).
هناک مؤشرات تدل علی نزعات عرفانیة لدی إمبیدوکلس الحقیقي (ظ: خراساني، 386 وما بعدها؛ ظ: كرانتس، صفحات متعددة من الكتاب). ونحن نعلم أنه كان متأثراً بالنظرة العالمية للأرفيوسيين والفيثاغوریین وتعاليمهم وأسالیب حياتهم. وکما تظهر من خلال ما تبقى من مؤلفاته نزعته العرفانية بشکل بارز (ظ: خراساني، 110-112، أيضاً 362-365). أما التقارير التي تتناول النزعة العرفانية لإمبيدوكليس المزيف فهي أكثر بكثير وأشد صراحة. فقد جاء في أحد المصادر أنه قال «إن الأنفس إنما کانت في المکان العالي الشریف فلما أخطأت سقطت إلی هذا العالم وإنما صار هو [إمبيدوكليس] أیضاً إلی هذا العالم فراراً من سخط الله تعالی لأنه لما انحدر إلی هذا العالم صار غیاثاً للأنفس التي اختلطت عقولها، فصار کالإنسان المجنون نادی الناس بأعلی صوته یأمرهم أن یرفضوا هذا العالم وما فیه ویصیروا إلی عالمهم الأول الأعلی الشریف وأمرهم أن یستغفروا الإله عز وجل لینالوا بذلک الراحة والنعمة التي کانوا فیها أولاً» (ظ: «أثولوجیا»، 23).ونقل عنه في موضع آخر: «أن هذا العالم من الأرض إلی السماء دنسَ کثیر الأوساخ» ( آراء الفلاسفة، 43). وکذلک ذکر عنه أن الأنفس الدنسة تبقی في هذه العالم متشبثة بها حتی استعانت بالنفس الکلیة فإذا استعانت النفس الجزئیة بالنفس الکلیة فتضرعت النفس الکلیة إلی العقل وتضرع العقل إلی الباريء فیفیض من نوره علیه ویفیض العقل منه علی النفس الکلیة وهي في هذا العالم فتستضيء به حتی تعاین الجزئیةُ الکلیةَ وتتصل بها فتلحق بعالمها (ن.م، 46؛ أيضاً ظ: البيروني، 64-65؛ الشهرستاني، 2 / 266؛ للاطلاع على نظرية إمبيدوكليس المزيف حول العقل والنفس في الإنسان وهما جوهران بسيطان وكذلك العلاقة بين الروح والجسم، ظ: المجريطي، 293-294).ويجب أن نشير هنا إلى أن ابن مسرّة الصوفي الأندلسي المعروف (تـ 319ه / 931م)، کان من الأتباع والمؤيدين المتحمسين لمعتقدات إمبيدوكليس وآرائه (للتفصيل، ظ: ن.د، ابن مسرة).و هذه هي أهم المصادر حول إمبيدوكليس:
Bidez , J., La Biographie d ’Empédocle, Chent, 1894; Bignone, E., Empédocle, Turin, 1916; Bollack, J., Empédocle, Paris, 1962; Jaeger, W., »Empedokles«, Die Theologie der frühen griechischen Denker, Stuttgart, 1964, pp. 147-176.
«الآراء الطبيعیـة»، المنسوب لپلوتارك، تج : قسطا بن لوقا مع في النفس لأرسطو، تق : عبد الرحمن بدوي، الکویت / بیروت، 1980م؛ آراء الفلاسفة باختلاف الأقاويل، المنسوب لأمونیوس، مخطوطة مكتبة أياصوفية بتركيا، رقم 2450؛ ابن أبي أصيبعة، أحمد، عيون الأنباء، تق : أغوست مولر، القاهرة، 1299ه / 1882م؛ أبو سليمان السجستاني، محمد، صوان الحكمة،تق : عبد الرحمن بـدوي، طهران، 1974م؛ «أثولوجيـا»، المنسـوب لأرسطـو، أفلوطين عنـد العـرب، تق : عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1955م؛ البيروني، أبو الريحان، تحقيق ماللهند، حيدر آباد الدكن، 1377ه / 1958م؛ خراساني (شرف)، شرف الدين، نخستين فيلسوفان يونان، طهران، 1350ش / 1971م؛ الشهرزوري، محمد، نزهة الأرواح وروضة الأفراح، تق : خورشيد أحمد، حيدرآباد الدكن، 1396ه / 1976م؛ الشهرستاني، محمد، الملل والنحل،تق : أحمد فهمي محمد، القاهرة، 1367ه / 1948م؛ صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، تق : حياة بوعلوان، بيروت، 1985م؛ القفطي، علي، تاريـخ الحكماء، تق : ليبـرت، لايبزك، 1903م؛ المجريطـي، مسلمة، غاية الحكيـم، تق : ريتر، هامبورغ، 1933م؛ وأيضاً:
Asin Palacios, M., Abenmasarra y su escuela , Madrid, 1914; Diogenes Laertius, Biōn kaig nōmōn ton én Philosophia eudokimèsanton; Kranz, W., Empedokles : Antike Gestalt und romantishe Neuschöpfung, Zürich, 1949شرف الدين خراساني (شرف) / د.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode