الیسع

اَلْيَسَع،   اسم أحد أنبياء الله المذكورين في القرآن الكريم والذي بعث على ما تقول الروايات بعد النبي إلياس (ع). وورد ذکره مرتين في القرآن الكريم إلى جانب أسماء بعض الأنبياء وأبناء إبراهيم (ع) (الأنعام / 6 / 86؛ ص /  38 /  48). وقد ذكر اليسع وإسماعیل ویونس ولوط (ع) في سورة الأنعام باعتبارهم «وکلّاً فضّلنا على العالمين» من غیر تفصیل، حول شخصية اليسع ونبوته، كما اعتبر في سورة ص من «الأخیار» إلى جانب إسماعيل وذي الكفل.
ولقد تضاربت آراء المفسرین والمتقدمین في علم القراءة في تأویل «ال» في «الیسع» والذي اعتبرها علماء اللغة علماً أعجمیاً (ظ: جوالیقي، 644؛ أیضاً جفري، 68-69). فمنهم من یری أن «ال» دخلت علی «یَسَع» کمعظم الحجازیین والعراقیینِ المتقدمین ومنهم من ذهب إلی أن «ال» دخلت علی «لَیسَع» کبعض الکوفیین (ظ: الطبري، تفسير، 7 / 173؛ الطوسي، 4 / 193؛ الطبرسي، الفضل، 4 / 507). وبالطبع يبدو أن هذا الاسم كان غير معروف بالنسبة إلى مسلمي صدر الإسلام كما أنهم لم يكونوا يحيطون علماً بشخصيته والقصص المرتبطة به.
ويبلغ الذكر المجمل لليسع في القرآن الكريم، وقلة المعلومات عنه في المصادر التفسيرية والروائية حداً دفع الكثير من العلماء إلى أن يخلطوا بين اليسع وبعض الأنبياء الآخرين: وعلى سبیل المثال فقد رأى البعض أن اليسع هو ذو الكفل نفسه، ورأى الآخرون أن ذا الکفل هو الیسع بن أخطوب، تلمیذ إلیاس ولیس هو اليسع المذكور في القرآن (ظ: المقدسي، 3 / 100). واعتبر البعض الیسع ابن عم إلياس (الميبدي، 8 / 356؛ ابن كثير، 473).
كما أن اعتبار اليسع والخضر النبي شخصاً واحداً یحظی بشهرة روائية كبيرة، بحیث رواة أخبار مثل كعب الأحبار أشاروا إلى ذلك (مثلاً ظ: الميبدي، 3 / 416). وفي تفسير الآية 65 من سورة الكهف، في باب سفر موسى (ع) إلى «مجمع البحرين» والتقائه بعبـد من عبـاد الله حل اسـم اليسع أحياناً محـل الخضر (مثـلاً ظ: البيضاوي، 1 /  568).
ويستند حبك قصة اليسع في الروايات التفسيرية إلى أن أستاذه إلياس في مسيرة نبوته ورسالته، وعندما أعرض عن القوم الكافريـن، واتخذ طريقاً بعيداً، دخل بيـت امرأة عجوز كان لها ابن مريض وقد كان هذا الصبي، اليسع ابن أخطوب، وكان هذا اللقاء بداية ارتباط قصة إلياس باليسع. وبعد أن استعاد اليسع سلامته بفضل دعاء إلياس ومشيئة الله، اعتنق دين إلياس كتابع متعطش للعلم، فكان يلازمه في جميع الأحوال ولم یترکه حتی لحظة الفراق الأخیرة (ظ: ن.د، إلياس). وأشار البعض إلى حضور اليسع إلى جانب إلياس عندما كان مستخفياً في الجبال (ابن كثير، ن.ص). وتتجلى ذروة التلاحم بين قصة إلياس واليسع، في حادثة افتراقهما؛ عندما بلغ الأمر بأن يهجر إلیاس قومه الجاحدين ويختار اليسع خليفة له، وحینئذ أنزل الله فرساً من نار كي يركبه إلياس ویفارق الحياة المادیة. وعندما رفعه الله إلی السماء سأله الیسع ما تأمرني؟ فرمی إلیاس إلیه بکسائه من الجو وأوصاه بطاعة الله والعهد (الطبري، تاريخ، 1 / 462-464؛ المقدسي، 3 / 100؛ الراوندي، 251؛ الميبدي، 8 / 296).
وقد تغيرت شروط الدیانة في عهد نبوة اليسع على ما ذكرت الروايات؛ فقد هلك ملك بني إسرائيل آحاب وزوجته الشريرة إيزابل التي كانت تحضّ قومها على الباطل واعتنق خلق كثير دعوة الیسع في عهد نبوته، وكانوا يعظمونه ویخضعون لأمره ورأیه (الثعلبي، 259-260؛ قا: النيسابوري، 342؛ الطبري، ن.م، 1 / 464).
ومما يجدر ذكره أنه قد ورد في العهد القديم  خلال استعراض قصة النبي إلياس (إيليا) ذکـر شخصیة تدعى اليشع بن شافاط (ظ: سفر الملوك الأول، 19: 16 وما بعدها) حيث يمكننا ملاحظة أوجه شبه كثيرة بينها وبين المضامين التي وردت في الروايات الإسلامية. وقد نقل ميرخواند إحدى أكثر الروايات شبهاً بما ذكر في العهد القديم (1 / 333 وما بعدها).
وقد جاء في رواية عن الإمام الرضا (ع) أن اليسع أظهر معجزات كعيسى (ع) مثل إحياء الموتى، وإبراء الأکمه والمشي على الماء (ظ: ابن بابويه، 422؛ الطبرسي، أحمد، 2 /  418). ومما يجدر ذكره أنه ليس من المستبعد أن يكون قد حدث خلط في الروايات بين إلياس واليسع إذا أخذنا بنظر الاعتبار الخصائص المعروفة لمعجزات إلياس (ع) وکذلک المماثلة بین قصة النبي إلیاس وعیسی (ع) بشأن عیشهما في السماوات.

المصادر: 

  ابن بابويه، محمد، التوحيد، تق‍ : هاشم الحسيني الطهراني،طهران،1387ه‍ ؛ ابـن كثير، قصص الأنبياء، تق‍ : خليل الميس، بيـروت، 1407ه‍ / 1987م؛ البيضاوي، عبد ‌الله، أنوار التنزيل، تق‍ : فلايشر، أوسنابروك، 1968م؛ الثعلبي، أحمد، قصص الأنبياء، بيروت، 1401ه‍ / 1981م؛ الجواليقي، موهوب، المعرّب، تق‍ : ف. عبد الرحيم، دمشـق، 1410ه‍ / 1990م؛ الراوندي، سعيـد، قصص الأنبيـاء، تق‍ : غـلام رضـا عرفانيـان، مشهد، 1409ه‍ ؛ الطبرسي، أحمد، الاحتجاج، تق‍ : محمد باقر الموسوي الخرسان، بيروت، 1401ه‍ / 1981م؛ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان، تق‍ : هاشم الرسولي المحلاتي وفضل الله اليزدي الطباطبائي، بيروت، 1408ه‍ /  1988م؛ الطبري، تاريخ؛ م.ن، تفسير؛ الطوسي، محمد، التبيان، تق‍ : أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي؛ العهد القديم؛ القرآن الكريم؛ المقدسي، المطهر، البدء والتاريخ، تق‍ : كلمان هوار، باریس، 1903م؛ الميبدي، أحمد، كشف الأسرار، تق‍ : علي أصغر حكمت، طهران، 1361ش؛ ميرخواند، محمد، روضة الصفا، طهران، 1338ش؛ النيسابوري، إبراهيم، قصص الأنبياء، تق‍ : حبيب يغمائي، طهران، 1359ش؛ وأيضاً:

Jeffery, A., The Foreign Vocabulary of the Qur’ān, Baroda, 1938
فرامرز حاج منوچهري / خ.