الیاس شاهی

إلْياس شاهيّ،   أو بنو إلیاس شاه، أسرة مسلمة أقامت في القرنين 8-9ه‍ / 14-15م أول حكومة مستقلة وموحدة في البنغال.

حكامها: 

حكم من هذه الأسرة 10 أشخاص في فترتين مختلفتين في البنغال. ولاتتفق المصادر بشأن مدة حكمهم وترتیبه. ولذلك حاول الباحثون الحصول علی معلومات في ذلک من خلال مسکوکات عثر علیها. 
كان شمس الدين إلياس شاه (743-759ه‍ / 1342- 1358م)، مؤسس هذه الأسرة والمسمی حاجي إلياس من القادة العسكريين في البنغال الغربية. وقد استغل المعارك الداخلية وتولى الحكم فيها وسمى نفسه شمس الدين شاه، أو بهنجره ثم استولى على سنارجايون ولكناو وسيطر على البنغال الشرقية والوسطى کافة وبذلک خضعت جميع بلاد البنغال لأول مرة في عهد حكم المسلمين لأمر حاكم واحد؛ حتى إن فيروز شاه تغلق (752-790ه‍ / 1351- 1388م). حاكم دلهي والذي كان يشعر بالقلق إزاء اتساع سلطة شمس الدين، شن هجوماً على البنغال في 754ه‍ / 1353م. فلجأ شمس الدين إلى قلعة إكداله، ولكنه لم یلبث حتی تصالح معه واستمر حکمه ما یناهز 16 سنة وبذلک بدأ مرحلة جدیدة من تاريخ البنغال. فإنه نشر الأمن والهدوء في البلاد ووسع نطاق حكمه لیشمل مناطق خارج الحدود (فرشته، 2 / 296؛ أحمد، 3 / 262-264؛ سیهرندي، 105-106، 124-127؛ سليم، 95-99؛ نور الحسن، 1148-1150؛ إكرام، 125-126).
تولى سكندر شاه (759-792ه‍ /  1358-1390م) الحكم بعد أبيه شمس الدين. وفي عهده هجم فیروز شاه تغلق مرة أخرى على البنغال وهرب سكندر شاه كأبيه إلى إكداله غیر أنه عاد إلی الحکم من جدید بعد أن تصالح مع فیروز شاه وقدم إلیه هدايا كثيرة. قتل سكندر شاه خلال حربه مع ابنه غياث الدين. تتضارب الآراء بشأن مدة حکمه وهناک من یری أنه حکم 32 حتى 35 سنة (هيغ، 264؛ نور الحسن، 1150)، بینما ذكر البعض فترة حکمه 9 سنوات وبضعة أشهر (سليم، 105؛ نظام الدين، 3 / 264). إلا أن الرأی الأول أقرب إلی الصواب استناداً إلی مسکوکات ضربت سنة 788ه‍ / 1386م في عهد سکندر شاه (ظ: راجغور، 20-21).
تولى الحكم غياث الدين أعظم شاه (792-812ه‍ / 1390-1409م)، بعد مقتل أبيه. وقد وصفته المصادر بأنه كان حاكماً عادلاً وعالماً، حيث كان بلاطه محط الأدباء والصوفيين. وكانت بینه وبین ملوك جونپور علاقات ودیة وبذل مساعیه في تجدید العلاقات السياسية والثقافية العریقة بين الصين والبنغال. مما أسفر عن تبادل السفراء بين البلدين. إن توسيع ميناء شيتاغونغ في هذا العهد يدل على نمو الحركة التجارية مع الشرق الأقصى. وفي هذه الفترة بعث هدايا وأموالاً كثيرة إلى الأماكن المقدسة في الحجاز. لاتتوفر معلومات عن مدة حکم غیاث الدین علی وجه الدقة واستناداً إلی بعض المصادر تتراوح فترة بین 17 حتى 20 سنة (م.ن،21-22؛ هيغ، 264-268 ؛ نور الحسن، 1151؛ إكرام، 126-127)، رغم أن بعض مصادر عهد البابريين ذكرت أن حكمه استمر 7 سنوات (فرشته، 2 / 296-297؛ أحمد، 3 / 265).
حكم بعد غياث الدين أعظم، 3 أفراد من هذه الأسرة وهم سيف الدين حمزة الملقب بسلطان السلاطين (812-814ه‍ / 1409-1411م) وشهاب الدين بايزيد (814-817ه‍ / 1411-1414م) وعلاء الدين فيروزشاه (817ه‍ / 1414م)؛ إلا أنهم كانوا لعبة بيد النبلاء الإقطاعیین حيث تولى أقواهم وهو الراجه غانيس أخيراً الحكم بعد قتله علاء الدين وبذلك مرت دولة إلیاس شاهي بفترة انقطاع لمدة 20 إلى 30 سنة (مجومدار، 344؛ نور الحسن، 1151-1152؛ راجغور، 22-23؛ فرشته، 2 / 297).
لقد انهارت أخيراً السلسلة التي كان الراجه غانيس قد أسسها، خلال المعارک الأهلیة وتولى الحكم أحد أحفاد شمس الدين شاه بلقب ناصر الدين محمود (836-864ه‍ / 1433-1460م) وبذلک بدأ العهد الثاني من حكم إلیاس شاهي. كان ناصر الدين يبدي اهتماماً بإعمار الأبنية وإحداثها کما أعاد بناء غايور عاصمة البنغال القديمة وقد ذكر أن حكمه دام 27 أو 28 سنة (راجغور، 27-28؛ مجومدار، 345، هيغ، 267-268)، وذكرت بعض مصادر عهد البابريين تواريخ مختلفة لحكمه (ظ: فرشته، 2 /  298؛ أحمد، 3 / 267؛ سليم، 118).
تولى الحكم بعد ناصر الدين محمود ابنه ركن الدين باربك (864-879ه‍ / 1460-1474م). وازداد في عهده عدد الممالیک الأحباش في الجيش مما أدى إلى استفحال أمر الأحباش في البنغال. وقد خلفه ابنه شمس الدين يوسف (879-886ه‍ / ‍1474-1481م) ثم حكم أحد أبنائه يدعى سكندر لبضعة أيام. وتولى الحكم بعده أحد أبناء ناصر الدين محمود بلقب فتح شاه (886-893ه‍- / 1481- 1488م). وقد عمل على مواجهة الأحباش، ولكنه قتل على يد عدد منهم وانقرضت بذلك أسرة إلیاس شاهية (راجغور، 27-30؛ نور الحسن، 1153-1154؛ أحمد، 3 / 266- 268).

التطورات السیاسیة والثقافیة والاجتماعیة:

کانت المعارک تستمر بین الحکام المحلیین قبل سیطرة أسرة إلیاس شاهي علی البنغال ولمدة قرنین ونصف حتی خمدت نیران الحروب واستقر الأمن والسلام منذ القرن 8ه‍ / 14م وبعد إقامة دولة إلیاس شاهي المستقلة. فازدهر في ظلها الفنون والعلوم الإسلامية وأخذت التجارة في التنمیة، کما أدت العلاقات السياسية والثقافية مع البلدان الأخرى إلى امتزاج ثقافة البنغال المحلية بغیرها من الثقافات، حيث تتمثل بوضوح نماذج ذلك في الآثار المعمارية والأدبية في هذا العهد.
كانت اللغة الفارسية هي اللغة الحکومیة في البنغال قبل حكم إلیاس شاهي وقد بذل بعض هؤلاء الحكام جهودهم في نشرها وترویجها الأکثر؛ وعلى سبيل المثال فقد كان غياث الدين أعظم یحب الأدب الفارسي کثیراً ویرغب في استدعاء حافظ الشيرازي إلى بلاطه. وکما هو معروف قد نظم حافظ أبیاتاً بناء على طلبه، أو جواباً له؛ ولكن معظم الحكام في بلاط إلیاس شاهي وجهوا اهتماماً أوفر إلى اللغة البنغالية إرضاء للبنغاليين فكرموا كتّابها وظهر لأول مرة الشعر الملمع في الأدب البنغالي على يد الصوفي چشتي نور قطب العالم، حیث كان ينظم شطراً بالفارسية وشطراً آخر بالبنغالية. ونظم شاه محمد صغير كتاب يوسف وزليخا باللغة البنغالية. وألف الشاعر البنغالي المعروف مالادهارباسو كتاب كريشنابيجاي في عهد باربِك شاه ولُقب من جانبه بغراج خان. كمـا دونت الأحداث التاريخية الإسلامية باللغة البنغالية أيضاً، ومن جملة ذلك، حرر زين الدين شاعر بلاط يوسف شاه، كتاب رسول ويجي (معراج النبي) (سليم، 105- 108؛ قدوسي، 353-354، 385-386؛ أحمد، 157- 158؛ خان، 179,181؛ سركار، EI2,I / 1168;36-37 ؛ لاو، 106-107؛ نور الحسن، 1154).
كان الملوك من أسرة إلیاس شاهي يهتمون بإعمار الأماکن وتشييد الأبنية الجديدة. وقد تبقت آثار كثيرة من هذا العهد وهي مزيج بین العمارة البنغالية، والعمارة الإيرانية وهي من آثار ملوك  دلهي. ويعتبر مسجد الجمعة من أبرز الآثار المتبقية، حيث بني في عهد السلطان سكندر الأول في پاندوا ويعد من أهم مساجد الهند. كما تبقت من هذا العهد بوابات جميلة. من الآثار الأخرى في هذا العهد، مرقد نور قطب العالم، ومسجد سات جنبذ [سات قبة] (فرغسن،  II / 257-261؛ سركار، 54-55؛ براون، 34,35-41؛ إيرانيكا، ; IV / 139 «دائرة المعارف ...»، VIII / 25).
أدى المتصوفة دوراً مهماً في نشر الثقافة الإسلامية في البنغال وكانوا يتمتعون بمكانة خاصة في عهد إلياس شاهي، فقد كان شمس الدين إلياس شاه من محبي الشيخ أخي سراج والشيخ راجا بياباني وكان نور قطب العالم من زعماء الجشتیة یحظی باحترام خاص لدى غياث الدين أعظم وكذلک شاه إبراهيم نال حظوة عند فتح شاه  وكان سكندر شاه یکرم شاه محسن أوليا إکراماً وافراً (رضوي، I / 238-239,257-258؛ سركار، 76-77؛ سليم، 97- 98؛ خان، 167؛ قدوسي، 63، 187، 347، 385- 388).
قد كان إلیاس شاهي تربطهم علاقات حسنة مع الهندوس الذين كانوا يشكلون جزءاً کبیراً  من سكان البنغال. کما تولی بعض الهندوس في هذا العهد مناصب حكومية والتحق بعضهم بقوات الجیش (رضوي، I / 238؛ خان، 171-172؛ سركار، 36-38؛ إكرام، 128).

المصادر: 

  أحمد، عزيز، تاريخ تفكر إسلامي در هند، تج‍ : نقي لطفي ومحمد جعفر ياحقي، طهران، 1367ش؛ أحمد، نظام الدین، طبقات أکبري، کلکتا، 1935م؛ سليم، غلام حسين، رياض السلاطين، تق‍ : عبد الحق عابد، كلكتا، 1890م؛ سیهرندي، يحيی، تاريخ مبارك شاهي، تق‍ : محمد هدايت حسين، كلكتا، 1931م؛ فرشته، محمد قاسم، تاريخ، لكناو، 1864م؛ قدوسي، إعجاز الحق، تذكرۀ صوفيائي بنگال، لاهور، 1965م؛ وأيضاً:

Brown, P., Indian Architecture, Bombay, 1956; EI2; Encyclopedia of World Art, NewYork, 1959-1986; Fergusson, J., History of Indian and Eastern Architecture, London, 1910; Haig, W., »The Kingdom of Bengal«, The Cambridge History of India, New Delhi, 1987, vol. III; Ikram, S. M., History of Muslim Civilisation in India and Pakistan, Lahore, 1982; Iranica ; Khan, M. S., »Impact of Islam on Medieval Bengal«, Islamic Culture, Hyderabad, 1985, vol. LIX; Law, N.N., Promotion of Learning in India, Varanasi, 1985; Majumdar, R. C., An Advanced History of India, London, 1958; Nurulhassan, K., »Bengal«, A Comprehensive History of India, New Delhi, 1982, vol. V; Rajgor, D., Standard Catalogue of Sultanate Coins of India, Bombay, 1991; Rizvi, A. A., A History of Sufism in India, New Delhi, 1984; Sarkar, J. N., Hindu-Muslim Relations in Bengal, Delhi, 1958.
مجيد سميعي / خ.