الیاس

إلْياس،   أحد أنبیاء بني إسرائيل ذكر اسمه مرتين في القرآن الكريم. واستناداً إلى الآيات القرآنية، فإنه من ذرية نوح (ع) وكان في عداد «الصالحين» (الأنعام / 6 / 84-85)، ومن أنبیاء الله، يدعو قومه إلى دين الحق؛ وهم يعبدون صنماً يسمى «بعلاً»؛ إلا أنهم أصروا على عبادتهم الأصنام، سوى «عباد الله المخلصين» (الصافات / 37 / 123-129).
كلمة إلياس أعجمية كما يرى غالبية اللغويين (مثلاً ظ: الجوالیقي، 102)؛ كما أن أشکالها المختلفة في العبرية والسريانية والحبشیة واليونانية تدل على أعجميتها فضلاً عن قدم هذا الاسم (ظ: جفري، 68).
وقد أدت الشخصية التي قدمها القرآن الكريم عن إلياس، وخاصة إلى جانب اسم بعل الصنم الذي كان قومه يعبدونه، إلى أن يعتبر المفسرون المسلمون إلياس المذكور في القرآن هو نفسه إلياس (إيليا) في العهدين. بالإضافة إلى أن شخصية إلياس ارتبطت مع نبيين آخرين، أي إدريس والخضر (ع) بسبب تسرب الشخصية المرسومة في العهدين إلى آثار المفسرين.
لقد وجد البعض صلة بین إلیاس و«إل یاسین» في الآية 130 من سورة الصافات وفي قراءة أشهر «إلياسين» (ابن الجزري، 2 / 359-360) وذهب غالبية المفسرين استناداً إلی سياق الآيات، إلى أن في تعبير «سلام على إل ياسين» إشارة إلى هذا النبي (ظ: ابن حجر، 148-149) وعلى هذا تأكدوا من أن «إلياسين» ضبط آخر لإلياس (الطوسي، 8 / 523-524؛ السیوطي، 7 / 120؛ أیضاً ظ: غایغر، 187). وما ورد في القراءات الشاذة على صورة «إدراسين» هو بحد ذاته نموذج للخلط بين إلياس وإدريس (ظ: الطبري، تفسیر، 23 / 58).
وقد بلغ هذا الخلط إلی أن قصة إلياس نقلت بشكل كامل في بعض المصادر، سوى أن اسم إلياس حل محل إدريس (مثلاً ظ: المسعودي، 17-19؛ ابن بابویه، 125-130؛ الراوندي، 73-76).
وقد جاء في التفاسير والتواريخ الإسلامية أن بني إسرائيل عندما نسوا عهد الله إليهم وأقبلوا على عبادة الأصنام، بعث الله إلياس رسولاً في عصر آحاب الملك الحاكم في بعلبك. وكانت زوجته تدعى إيزابيل وهي مسيطرة على آحاب سيطرة تامة كما وصفتها المصادر بقسوة القلب، بحيث أودت بعدد من الرسل منهم يحيى بن زكريا، فإنها حرضت الملك أن يجبر الناس على عبادة الصنم بعل (المقدسي، 3 / 99؛ الطبرسي، 8 / 713).
وقد جاء في رواية عن ابن عباس نقلت بدايتها في كتاب ابن إسحاق أیضاً، أنه كان يعيش في جوار قصر إيزابيل، شخص صالح يدعى مزدكي (وهو تصحيف لمُردشاي (EI1)) كان يمتلك بستاناً بهيجاً. وكانت إيزابيل راغبة في هذا البستان، فاستغلت فرصة غياب الملك وقتلت صاحب البستان بذريعة واستملكته؛ وبعد أن عاد آحاب علم بالأمر، ولكنه لم يبد ردة فعل شديدة. ثم ذكرت الرواية أن بعثة إلياس كانت بعد هذه الحادثة كي يقف في وجه الظالمين ويعيد للناس حقوقهم المسلوبة فضلاً عن هدايتهم (الراوندي، 248؛ الثعلبي، 253-254).
ذكر في رواية ابن إسحاق أن إلياس كانت له مكانة خاصة في بلاط آحاب وأن الملك كان يتفق معه في عبادة الإلٰه الواحد خلافاً لقومه ويستشيره في جميع الأمور. وفي الرواية التي نقلها الثعلبي، اختلطت أجزاء من روايتي ابن إسحاق وابن عباس بالبعض، حیث جاء فيها أن إلياس بعد أن لام آحاب وإيزابيل على قتل مزدكي، دعاهما إلى التوبة؛ ولذلك، ساء ظن آحاب به، وعزم على تعذيبه وقتله (الراوندي، 248-249؛ الثعلبي، ن.ص).
قد جاء في الروايات أن إلياس عندما أحس بالشر اختفى ولجأ إلى جبل وعاش متشرداً لفترة، تتراوح في المصادر الإسلامية بين 7 و10 سنيـن يأكل خلالها من نبـات الأرض وثمار الأشجـار (ظ: ن.صص؛ ابن عساکر، 3 / 81؛ ابن کثیر، 1 / 314؛ أیضاً قا: المجلسي، 13 / 397). حتى ابتلى الله ابن آحاب بمرض عضال يئس الأطباء من علاجه وکلما دعا الملك بعلاً لشفائه لم يجبه. ثم قيل له إن إلياس كان السبب في مرضه، فبعث عدة أشخاص يريدون قتله. وعندما وصلوا إلى مقربة من مأوى إلياس نزل إليهم وبعد أن بين رسالته من جانب الله، وذكر لهم أن سبب مرض ابن الملك هو عبادة الأوثان. فعادوا إلى آحاب، وحكوا له كلام إلياس فعجز آحاب وقرر أن يلتجأ إلى المكر والخديعة، فأرسل 50 رجلاً من قومه وأمرهم بالاحتيال عليه والتظاهر بقبول دعوته ودعا إلياس ربه أن يحرقهم بالنار، فأجاب الله دعوته إذ كانوا كاذبين. طلب آحاب آخر الأمر من كاتب امرأته وهو رجل مؤمن أن يخرج في طلب إلياس وأرسل معه عدة من أصحابه، ولكن الكاتب أخبر إلياس بنية الملك، فأوحى الله إلى إلياس ليذهب مع الكاتب لينقذه من الموت ولما دخل إلياس على آحاب شدد الله على ابنه الوجع، فشغل الله بذلك آحاب عن إلياس ورجع إلياس إلى مكانه سالماً ولما طال عليه المكث في الجبل خرج من مخبئه ودخل بيت امرأة هي أم يونس بن متی. فمكث فترة في بيتها وآمنت المرأة به وكانت تخدمه حتى توفي يونس وهو طفل رضيع، فعظم ذلك على الأم؛ وطلبت منه أن يعيد إليها ابنها الوحيد. فدعا الله أن يعيد الحياة إلى یونس فاستجاب الله له وأحياه بعد مرور عدة أيام على وفاته. ثم عاد إلياس إلى الجبل ودعا ربه أن لاتمطر السماء على قومه سبع سنين بعد أن أصروا على ضلالهم وبعد أن ضاقت نفسه من شركهم، فاستجاب الله له إلا أن الرحمة الإلٰهية اقتضت أن يستمر الجفاف 3 سنوات. فأصابهم القحط وعم الجفاف حتى هلكت المواشي والنباتات وضاقت بهم الحياة (الطبري، تفسیر، 23 / 59-60؛ الثعلبي، 252-258).
وتستمر القصة لتخبرنا أن إلياس دخل بيت امرأة عجوز كان لها ابن مريض يدعى اليسع بن أخطوب. فشفي الشاب بدعاء إلياس وإرادة الله وآمن بدينه ولزمه ولم يفارقه حتی أنزل الله رحمته على بني إسرائيل، وذكّر إلياس بموت الكثير من الناس نتيجة الجفاف الناجم عن دعائه. فدعاهم إلياس إلى دين الحق بعد أن وعدهم بالفرج، فاستجاب قومه وأنزل الله مطراً غزيراً بدعاء هذا النبي وارتوت الأرض، ولم يلبث حتى نسى الناس عهد الله وأقبلوا على عبادة الأصنام. وعندما رأى إلياس ذلك دعا ربه أن يميته ويریحه منهم ولكن الله تعالى أرسل له فرساً من نار، فركبه وصعد إلى السماء واختار الیسع نائباً عنه (ن.صص؛ عن روایات شاذة، ظ: الکسائي، 244 وما بعدها).
مما يجدر ذكره أن بعض الأجزاء من الروایات المذکورة وردت أيضاً في العهد القدیم (خاصة، ظ: سفر الملوک الأول، 1:17 وما بعدها). ولذلك اعتبر ابن كثير قصة صعود إلياس من الإسرائيليات (ظ: ابن کثیر، 1 / 315؛ قا: سفر الملوک الثاني، الإصحاح الثاني).
مما يلفت النظر هو أننا نجد إلياس في بعض الروايات الإسلامية، بجانب الخضر (مثلاً ظ: النحاس، 3 / 435)؛ كما تشابهت جوانب من قصة الخضر وما نقل عن إلياس، بحيث إن الخضر وجد عين الحياة وشرب منها، فأصبح خالداً حياً حتى يوم القيامة، وإن  إلياس رفع إلى السماء ولم يمته الله. ومن جهة أخرى، فإن من الممكن مقارنة قصة لقاء إلياس بموسى (ع) التي ورد ذكرها في العهد الجديد (لوقا، 9: 28-34). مع ما ذكره المفسرون في تفسير الآية 65 من سورة الكهف، حيث وردت الإشارة فيها إلى اللقاء بين الخضر وموسى. وعلى أي حال، فقد اعتبر إلیاس والخضر من الأنبياء الخالدين والأحياء في الأرض في مقابل إدريس وعيسى (ع) وهما خالدان في السماء (مثلاً ظ: الثعالبي، 260). وقد وردت في بعض التفاسير أن إلياس صاحب البراري، والخضر الموکل على البحار (ظ: الطبرسي، 8 / 713؛ السیوطي، 7 / 118). ويجتمعان في كـل يوم عرفة بعرفات وفـي شهر رمضـان في بيـت المقـدس (ظ: الطبري، تاریخ، 1 / 365؛ الثعلبي، ن.ص؛ ابن‌عساکر، 3 / 82؛ ابن‌کثیر، 1 / 314؛ القرطبي، 15 / 116). وقد تجاوز بعض الرواة ذلك فاعتبروهما شخصاً واحداً (النحاس، ن.ص؛ الطبرسي، 4 / 510؛ قا: خواندمیر، 4 / 648) كما روي عن ابن عباس أن رسول الله (ص) قال: الخضر هو إلياس (السيوطي، 7 / 118). وذكر أيضاً أن الخضر وإلياس بعثهما الله لهداية ملة واحدة، وورد اسم الخضر في قصة إلياس باعتباره مساعداً له (مثلاً ظ: النیسابوري، 338-342؛ عن نماذج أخری، ظ: السورآبادي، 294؛ المیبدي، 8 / 301).
ومما يجدر ذكره أن إلياس عرف في الروايات كأحد أنبياء بني إسرائيل العابدین للّه (الکلیني، 1 / 227) وذهب البعض إلى أن القصـد مـن «عبـداً مـن عبـادنـا» (الکهف / 18 / 65) هو إليـاس (ظ: البیضاوي، 1 / 568). وقد ذكر اسمه إلى جانب الأنبياء الصالحين مثل زكريا ويحيى وعيسى (ع) (فخر الدین، 13 / 65) بسبب زهده وإعراضه عن الدنيا، ولما كان یهدي قومه إلى توحيد الباري تعالى وطاعته وترک المعاصي (الطوسي، 8 / 524؛ حمزة، 70) واعتبر محطماً للأصنام كإبراهيم (ع) حيث حارب الوثنیة والصنم بعل (القرطبي، 15 / 117).
مما يلفت النظر هو أن بعض الرواة وضعوا اسمه إلى جانب اسم النبي (ص)؛ لما وجدوا فيهما تشابهاً في الوقار والقامة على سبيل المثال (السور آبادي، 417؛ المیبدي، 6 / 460). كما تفيد رواية عن أنس، أن إلياس التقى نبي الإسلام (ص) وخاطبه بـ «الأخ» (ظ: القرطبي، 15 / 116؛ ابن کثیر، 1 / 315). وفي الختام جدیر بالذکر أن بعض الأدعیة الإسلامیة المنسوبة إلى إلياس، انتشرت في مصادر الشيعة وأهل السنة (ظ: الکلیني، 1 / 228؛ ابن عساکر، 3 / 87؛ المجلسي، 13 / 393).

المصادر: 

  ابن بابویه، محمد، کمال الدین وتمام النعمة، النجف، 1389ه‍ / 1970م؛ ابن الجزري، محمد، النشرفي القراءات العشر، تق‍ : علي محمد ضباع، القاهرة، مکتبة مصطفـی محمد؛ ابـن حجر الهیتمي، أحمد، الصواعق المحرقـة، تف‍‍‍ : عبد الوهاب عبد اللطیف، القاهرة، 1385ه‍ / 1965م؛ ابن عساکر، علي، تاریخ مدینة دمشق، عمان، دار البشیر؛ ابن کثیر، البدایة والنهایة، تق‍ : أحمد أبو ملحم وآخرون، بیروت، 1408ه‍ / 1988م؛ البیضاوي، عبد الله، أنوار التنزیل، تق‍ : فلایشر، اُسنابروک، 1968م؛ الثعلبـي، أحمد، قصص الأنبیـاء، بیـروت، دار الرائـد العربـي؛ الجوالیقي، مـوهـوب، المعرّب، تق‍ : ف. عبدالرحیم، دمشق، 1410ه‍ / 1990م؛ حمزة الأصفهاني، تاریخ سني ملـوک الأرض، بیروت، دارمکتبـة الحیاة؛ خواندمیر، غیاث الدین، حبیب السیـر، تق‍ : محمد دبیر سیاقي، طهران، 1362ش؛ الراوندي، سعید، قصص الأنبیاء، تق‍ : غلام رضا عرفانیان، مشهد، 1409ه‍ ؛ السورآبادي، عتیق، قصص قرآن مجید، طهران، 1347ش؛ السیوطي، الدر المنثور، بیروت، 1403ه‍ / 1983م؛ الطبرسي، الفضل، مجمع البیان، تق‍ : هاشم الرسولي المحلاتي وفضل الله الیزدي الطباطبائي، بیروت، 1408ه‍ / 1988م؛ الطبري، تاریخ؛ م.ن، تفسیر؛ الطوسي، محمد، التبیان، تق‍ : أحمد حبیـب قصیر العاملـي، النجـف، 1382ه‍ / 1963م؛ العهـد الجدیـد؛ العهـد القدیـم؛ فخر الدین الرازي، محمد، التفسیر الکبیر، القاهرة، المطبعة البهیة؛ القرآن الکریم؛ القرطبي، محمد، الجامع لأحکام الــقرآن، بیروت، 1372ه‍ ؛ الکسائي، محمد، قصص الأنبیاء، تق‍ : أیزنبرغ، لیدن، 1922م؛ الکلیني، محمد، الکافي، تق‍ : علي أکبر الغفاري، بیروت، 1388ه‍ ؛ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بیروت، 1403ه‍ / 1983م؛ المسعودي، علي، إثبات الوصیة، النجف، مکتبة الحیدریة؛ المقدسي، المطهر، البدء والتاریـخ، تق‍ : کلمان هـوار، بـاریس، 1903م؛ المیبدي، أحمـد، کشف الأســرار، تق‍ : علي أصغر حکمت، طهران، 1357ش؛ النحاس، أحمد، إعراب القرآن، زهیر غـازي زاهـد، بیـروت، 1405ه‍ / 1985م؛ النیسابـوري، إبـراهیـم، قـصص الأنبیـاء، تق‍ : حبیب يغمائي، طهران، 1359ش؛ وأیضاً:

Geiger, A., Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen?, Leipzig, 1902; Jeffery, A., The Foreign Vocabulary of the Qurºān, Baroda, 1938
فرامرز حاج منوچهري / خ.