التتمش

إلْتُتْمِش، أبو المظفر شمس الدين، من سلاطين المماليك الأتراك في دلهي وخلف قطب الدين أيبك (607-633ه‍ / 1210-1236م). ورد ضبط اسمه في المصادر التاريخية على أشکال متعددة منها أَلْتَمِش، وإيلْتِمِش، إيلتتمش (ظ: «تاريخ ... »، V / 209-210؛ القزويني، 1 / 94-95)، لكنه سمي إلتتمش قطبي وإيلتتمش سلطان في نقوش قطب منار التي تم إنجازها بأمره هو نفسه («تاريخ»، V / 210).
كان إلتتمش من رهط إيلبري (إلبري) إحدى القبائل القراختائية في آسيا الوسطى، وكان والده يدعى إيلم خان (منهاج، 1 / 441). واستناداً إلى رواية منهاج سراج، فقد كان إلتتمش مملوکاً باعه إخوته، أو بنو أعمامه إلى تاجر حتى اشتراه في دلهي السلطان قطب الدين أيبك (1 / 441-443). ولم یلبث حتی نال حظوة لدیه، بحیث زوّجه من ابنته ومنحه مناصـب عديدة (م.ن، 1 / 443، 2 /  418) منها إمارة كواليور وحکم بدایون (م.ن، 1 / 443-444؛ فرشته، 65).
وفي 607ه‍ / 1210م توفي قطب الدين أيبك وخلفه ابنه آرام شاه، غیر أن بعض أمراء دلهي، استقدموا إلتتمش من بدایون إلی دلهي ليجلس على عرش الحكم (منهاج، 1 / 444؛ مفتي، 132؛ فرشته، 64). لکنه واجه في بداية أمره معارضة المؤيدين لآرام شاه من المماليك وحواشي معز الدين وقطب الدين. فأسرع إليهم وألحق بهم هزيمة في معركة قامت خارج دلهي (منهاج، ن.ص؛ فرشته، 65؛ إليوت، II / 237؛ بنرجي، 179).
ما إن فرغ منهم حتى نشبت المنازعات بينه وبين صهري قطب الدين أيبك، أي تاج الدين إيلدوز وناصر الدين قباچة، على حكم دلهي، مما أدی إلی قتل تاج الدين إيلدوز في 612ه‍ / 1215م (منهاج، 1 / 413،445؛ نهاوندي، 299؛ قا: ابن الأثير، 12 / 312). وطرد ناصر الدين قباچة من لاهور سنة 614ه‍ / 1217م وبذلک استتبت له الأمور وسيطر على نواحي البنجاب العليا كافة (منهاج، 1 / 419). في 615ه‍ /  1218م، التجأ السلطان جلال الدين خوارزمشاه إلى شمال الهند واستعان بإلتتمش في مواجهة المغول (م.ن، 1 / 445؛ ظ: ابن أبي الحديد، 8 / 227، حيث یری قرابة بين هذين الأميرين التركيين من جانب الأم). غیر أن إلتتمش طلب منه مغادرته الهند إذ كان على علم بأن التعاون معه ليس بصالحه ومواجهة المغول تفوق طاقته فامتنع جلال الدين وقامت بينهما معركة (الجويني، 2 / 144-145؛ فرشته، 316؛  ميرخواند، 4 / 423-424)، انهزم فيها إلتتمش واُضطر أخيراً إلى أن يعتذر من السلطان جلال الدين ويزوج ابنته منه (النسوي، 119-120؛ ابن خلدون، 5 / 141-142). ومع كل ذلك، ظل موقف إلتتمش السیاسي إزاء المغول موقفاً سلمياً (مثلاً ظ: منهاج، 2 / 214).
وفي 622ه‍ / 1225م هاجم إلتتمش بيهار واستولى على لكهنوتي وهزم السلطان غياث الدين عوض خلجي، وأوكل حكمها إلى ابنه الأكبر ناصر الدين محمود (م.ن، 1 /  438؛ خواندمير، 2 / 617؛ سليم، 70؛ نهاوندي، 299-300).
وفي ربيع الأول 625 / شباط 1228، شن إلتتمش هجوماً على آچة والملتان وطرد ناصر الدين قباچة من آچة وسیطر علیها (منهاج، 1 / 446-447).
وفي ربيع الأول 626 بعث الخليفة العباسي المستنصر بالله رسولاً إلی دلهي يحمل خلعاً ومرسوماً له وبذلك اعترف الخليفة بسلطنته رسمياً (ابن بطوطة، 155؛ منهاج، ن.ص؛ طباطبا، 106، الذي ذكر هذا التاريخ 616 خطأً). ثم ضرب السكة باسمه وخطب له (لين پول، 73؛ بنرجي، 186). بعد ذلك انتشر نفوذه وتوسع نطاق حكمه من الهند حتى آسيا الوسطى وحدود إيران.
قضی إلتتمش السنوات الأخيرة من حكمه بالحروب مع دول شمال الهند، حیث خرج من دلهي سنة 629ه‍ / 1232م وشن هجوماً على كواليور التي كانت قد سقطـت بيـد الهندوس بعد مـوت آرام شـاه (منهاج، 1 /  448؛ فرشته، 66). وفی هذه الأثناء عين ابنته رضية خليفة له وبالرغم من معارضة رجال البلاط (نهاوندي، 301) ثم أوكل إليها حكم كَواليور (بنرجي، 187). کما أسس نظاماً خاصاً عرف بالنظام الشمسي من خلال تشكيل مجموعة من الأمراء الأتراك باسم «چهل گاني»، تم اختیارهم من بین قادة جيشه ورجال حكمه الديوانيين (م.ن، 187,190؛ نظامي، «حول ... »، 80؛ برني، 773).
وفي 631ه‍ / 1234م، واصل إلتتمش حروبه مع الهندوس حتی استولى على مدینة أوجين وعدة قلاع ومعابد وهدم بعضها (منهاج، 1 / 449؛ فرشته، ن.ص). وفي نفس السنة نجا من محاولة اغتيال دبرتها فئة من الإسماعیلیة خلال صلاة الجمعة في مسجد دلهي (هيغ، III / 55-56). وفي 633ه‍ / 1236م زحف السلطان نحو ملتان، ولكنه مرض وتوفي في 20 شعبان / 29 نيسان في سيوستان (فرشته، ن.ص؛ العصامي، 128-129؛ منهاج، 1 / 449-450؛ نهاوندي، 300)، ودفن في جامع دلهي القديم (فصيح، 2 /  308).
يعد إلتتمش أكبر الحكام في عصر السلاطين المسلمين الأوائل فـي دلهي، حيث أقام فـي الهند دولة مقتدرة موحدة (بنرجي، 180؛ بهادر، 25-26؛ نظامي، ن.م، 56). وأشادت المصادر التاريخية بکفاءته وحرصه علی نشر العدالة (ظ: ابن بطوطة، 422).
ومما يستحق الاهتمام، نزعاته الصوفية ومعتقداته الدينية بحیث كان يعتبر سلطنته عطية إلهية، واتخذ تجاربه الشخصية في التعامل مع الصوفيين دعامة لهذه الفكرة. ولا شک أن ارتیاده في   عهد الصبا إلی مراكز التصوف الرئیسیة مثل بخارى ترک تأثيـراً عميقـاً فـي نفسه (للتفـاصيل حـول اتجاهاته الدينيـة، ظ: نظامي، «إلتتمش ...»، 166-180).
لقد أعار إلتتمش خلال حکمه اهتماماً بإعمار بلاده حيث شید عدة آثار وأبنیة تمثل فن العمارة في الفترة الأولى من حكم الأمراء المسلمين في الهند منها: الحوض الشمسي قرب مصلى دلهي (627ه‍ / 1230م)، والمدرسة الناصرية وجامع بدایون ومسجد كوچك أوليا وعيدگاه دلهي أو شمسي عيدگاه (براون، 13-14؛ نظامي، «حول ... »، 78؛ لال، «المسلمون ... »، 138؛ نقوي، 87). وبالإضافة إلى ذلك، فإنه أکمل مسجد قوت الإسلام ومنارته المعروفة بقطب منار وهذه المجموعة کان قطب الدین إیبک قد بدأ بناءها (حسين، 54؛ بنرجي، 184-186؛ حكمت، 47). یقع مرقد إلتتمش في الشمال الغربي من المسجد ويعد نموذجاً بارزاً للعمارة الهندية ـ الإسلامية (براون، ن.ص؛ لال، ن.م، 137، «تاريخ ... »، 325).
عرف إلتتمش برعاية أهل العلم والأدب، کما أصبح بلاطه ملاذاً للعلماء والأدباء في عصره منهم منهاج سراج، ومحمد الجوزجاني، وسديد الدين العوفي وحسن نظامي النيسابوري مؤلف تاج المآثر، وسراجي السكزي الشاعر، ومؤيد الدين محمد الخوارزمي الجاجرمي الذي ترجم إحياء العلوم للغزالي إلی الفارسیة وقدمه إلى إلتتمش، وفخر مدبر مؤلف آداب الحرب والشجاعة، ألفه لإلتتمش (عبد الحي، 1 / 103، 125، 133، 134، 138، 157؛ العوفي، 289؛ الكوفي، 12، 252؛ معين، 13، 21-22؛ صفا، 3 / 101-102؛ أيضاً ظ‍‍ : الخوارزمي، 11؛ منهاج، 1 / 447؛ فخر مدبر، 15-16).

المصادر:   ابن أبـي الحديد، عبد الحميـد، شرح نهج البلاغة، تق‍ : محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1960م؛ ابن الأثير، الكامل؛ ابن بطوطة، سفرنامه، بیروت، 1384ﻫ / 1964م؛ ابن خلدون، العبر، تق‍ : خليل شحاده وسهيل زكار، بيروت، 1401ه‍ / 1981م؛ برني، ضياء الدين، تاريخ فيروز شاهي، تج‍ : معين الحق، لاهور، 1991م؛ الجويني، عطا ملك، تاريخ جهانگشاي، تق‍ : محمد القزويني، ليدن، 1334ه‍ ؛ حكمت، علي أصغر، سرزمين هند، طهران، 1337ش؛ الخوارزمي، محمد، مقدمة لترجمۀ إحياء علوم الدين، تق‍ : حسين خديوجم، طهران، 1351ش؛ خواندمير، غياث الدين، حبيب السير، تق‍ : محمد دبيرسياقي، طهران، 1323ه‍ ؛ سليم، غلام حسين، رياض السلاطين، كلكتا، 1890م؛ صفا، ذبيح الله، تاريخ أدبيات در إيران، طهران، 1339ش؛ طباطبا، غلام حسين، سير المتأخرين، لكناو، ط حجرية؛ عبدالحي، نزهة الخواطر، تق‍ : حيدرآباد الدكن، 1382ه‍ ؛ العصامي، عبد الملك، فتوح السلاطين، مدرس، 1948م؛ العوفي، محمد، لباب الألباب، ليـدن،1324ه‍ / 1906م؛ فخـر مدبـر، محمد، آداب الحـرب والشجاعـة، تق‍ : أحمد سهيلي خوانساري، طهران، 1346ش؛ فرشته، محمد قاسم، تاريخ، كانپور، 1290ه‍ / 1874م؛ فصيح خوافي، أحمد، مجمل فصيحـي، تق‍ : محمـود فـرخ، مشهـد، 1340ش؛ القـزوينـي، محمـد، يـادداشتهـا، تق‍ : إيرج أفشار، طهران، 1346ش؛ الكوفي، علي بن حامد، فتح نامه، دلهي، 1939م؛ معين، محمد، مقدمة لجوامع الحكايات ولوامع الروايات للعوفي، طهران، 1335ش؛ مفتي لاهوري، علي الدين، عبرت نامه، لاهور، 1961م؛ منهـاج سراج، عثمـان، طبقات ناصـري، تق‍ : عبـد الحي حبيبي، كابـل، 1343ش؛ ميرخواند، محمد، روضـة الصفـا، طهران، 1339ش؛ النسـوي، محمد، سيـرت جـلال الدين منكبرنـي، تق‍ : مجتبى مينوي، طهران، 1344ش؛ نهاوندي، عبد الباقي، مآثر رحيمي، تق‍ : محمد هدايت حسين، كلكتا، 1924م؛ وأيضاً:

Bahadur, K.P., A History of Indian Civilisation, New Delhi, 1980, vol. II; Banerji, S. K., »Some Aspects of Muslim Polity in Early Medieval India«, Indian Culture, 1939-1940, vol. VI; Brown, P., Indian Architecture, Bombay, 1981; A Comprehensive History of India, New Delhi, 1982; Elliot, H. M., The History of India, Lahore, 1976; Haig, W., »The Slave Kings«, The Cambridge History of India, New Delhi, 1987, vol. III; Husain, Y., Indo-Muslim Polity, Simla, 1971; Lal, K. S., Early Muslims in India, New Delhi, 1984; id, History of the Khaljis, Munshiram Manoharlal, 1980; Lane Poole, S., Medieval India Under the Mohammedan Rule, Delhi, 1980; Naqvi, H. Kh., Agricultural, Industrial and Urban Dynamism Under the Sultans of Delhi 1206-1555, Delhi, 1986; Nizami, Kh. A., »Iltutmish the Mystic«, Islamic Culture, Hyderabad, 1946, vol. XX; id, On History and Historians of Medieval India, New Delhi, 1983
أفسانه منفرد / خ.