الإدغام
cgietitle
1443/3/1 ۱۳:۵۹:۰۳
https://cgie.org.ir/ar/article/237081
1446/9/3 ۲۱:۱۴:۳۹
نشرت
6
اَلْإدْغام، أو الإدِّغام، مصطلح في الصرف العربي والعلوم القرآنیة، وهو عبارة عن دمج حرفین في اللفظ بحیث یلفظان بشکل حرف مشدد.
إن واحداً من معاني الإدغام هو إدخال اللجام في أفواه الدواب، ومعناه الآخر یتضمن کل شيء آخر یکون فیه تداخل. لذلک دعي إدخال کل حرف في حرف آخر إدغاماً أیضاً (الأزهري،مادة دغم).
والشکل المتعارف لهذه الکلمة هو بدون تشدید الدال (من باب إفعال)، إلا أن باب افتعال منه (ادّغام) کان مستخدماً لدی البصریین، بینما کان باب إفعال – کما یقول ابن یعیش – خاصاً بالکوفیین (10/ 121؛ أیضاً ظ: السیوطي، البهجة...، 313). ویعتقد السیوطي أن استخدامه من غیر تشدید في الألفیة کان لأجل التخفیف (ن.ص) و لیس اتّباعاً لمدرسة خاصة. ومهما یکن، فإنه في الکتب القدیمة للصرف والنحو والتي تخلو من الشکل و الإعراب، لایمکن معرفة أي وجه کان یستخدمه مؤلفوها.
وأول مؤلف تحدث في الإدغام بشکل شامل نسبیاً ووضعه في بحث خاص به هو سیبویه، و في الحقیقة أنه خصص القسم الأول من باب الإدغام بعلم الأصوات و التلفظ (4/ 431)، وبعد وصفه الحروف المهموسة وإشارته إلی المجهورة، بحث موضوع الإدغام بطرحه مسألة «مایَحسن فیه الإدغام و مالایحسن فیه ذلک» (4/ 436 ومابعدها).
وقد تاج الآخرون لقرون أسلوب سیبویه في بحث الإغام، فأورد المبرد (تـ 285هـ) الشارح الکبیر للکتاب في المقتضب جمیع القضایا التي بحثها، بکثیر من التفصیل مع أمثلة جدیدة (1/ 192 ومابعدها). وفي القرن 4هـ، مارس الزجاجي (تـ 338هـ) أیضاً نفس الأسلوب (ظ: ابن هشام، 445 ومابعدها)، و خصص ابن جني (تـ 392هـ) هو الآخر باباً للإدغام في الخصائص (2/ 139-145)، وقسم فیه الإدغام – من جانبٍ – إلی قسمین: 1. الإدغام الأکبر [أو الأصغر] والذي یقصد به المعنی المألوف المعتاد للإدغام لدی علماء الصرف والقراء، أي تقریب صوت من صوت (2/ 139)؛ 2. الإدغام الأصغر [أوالأکبر] أي تقریب حرف من حرف (2/ 141). ولما کانت هناک اختلافات في مخطوطات الخصائص، فإن مصادیق هذین المصطلحین اللذین تم تناولهما بالتفصیل لیست واضحة.
ولمیصبح تقسیم الإدغام بأسلوب ابن جني متداولاً بکثرة بین علماء القراءات، بل و حتی النحاة، لکن علماء القراءات استخدموا مصطلحي الإدغام الکبیر والإدغام الصغیر بمعنی آخر، کما تحدث ابن الجزري في هذا الباب بشکل مفصل. فالإدغام الکبیر – بحسب رأیه – یقع في الموضع الذي یکون فیه کلا الحرفین متحرکاً مثل رَدَدْة> رَدَّ، أو یَرْدُدُ> یَرُدُّ؛ والإدغام الصغیر في الموضع الذي یکون فیه الحرف الأول ساکناً (النشر ...، 1/ 274 ومابعدها؛ أیضاً ظ: السیوطي، الإتقان، 1/ 323-332). وبطعبیة الحال فإن بحث الإدغام کان قد اکتسب منذ عصر الزمخشري (تـ 538هـ) أهمیة أکبر وتفصیلاً (ظ: الزمخشري، 188؛ أیضاً ابن یعیش، 10/ 120). ویبدو أن قمة التفصیل ودقة النظر في هذا الباب قد تمت في شرح رضيالدین الإسترابادي (تـ 686هـ) لشافیة ابن الحاجب (تـ 646هـ).
إنما یکون الإدغام ضروریاً عندما یتکرر حرف مهموس داخل الکلمة ولایقع مهموس آخر بین هذین الاثنین (یسمی هذان الحرفان مِثلین، أو متماثلین)؛ أوأن یکون في الکلمتین المتعاقبتین تشابه في الحرف الأخیر من الأولی، والأول من الثانیة، وبلاشک، لمیکن مخرج الصوت من جهة و الخصائص الطبیعیة للحروف من جهة أخری، دون تأثیر في إدغام الحروف، أو فکّها؛ لکنَّ عامل المعنی کان هو الآخر مؤثراً أحیاناً.
وإن ماکان یجعل دراسة الإدغام ووضع قوانین له أمراً عسیراً لدی علماء الصرف و النحو، هو الاختلافات في اللهجات. فقد کانت في الجزیرة العربیة لهجتان رئیستان في مصاف بعضهما من حیث الأهمیة والقرب من اللغة الفصحی الواحدة القدیمة، وهاتان اللهجتان هما لهجة بني تمیم الذین کانوا یمیلون إلی الإدغام، والأخری لهجة الحجازیین الذین کانوا یمیلون إلی الفک، لکن وبشکل عام، یبدو أنهم و في الفترات التي تلت، کانوا یجدون الإدغام مناسباً بشکل أکبر و أیسر علی اللسان. ولذا فلیس مستبعداً أن تکون بعض إدغامات القراء في القرآن الکریم ولیدة تصور هؤلاء العلماء.
والصعوبة الأخری التي تظهر نتیجة اختلاف هاتین اللهجتین هط فیما یتعلق بالهمز: کان بنو تمیم یلفظون الهمز بشکل مهموس تام فیصبح الإدغام في الهمزة لامحالة أمراً طبیعیاً، بینما الهمز الحجازیة علی مایبدو لمتکن مهموسة بشکل تام وکانت تمیل في اللفظ نحو المجهورات الثلاثة، لذلک کانوا یدعونها «همزةٌ بینَ بین»، أو «مخففة»، وفي هذه الحالة، لمیعد الإدغام ممکناً.
والأمر الآخر الذي یجعل الإدغام معقداً هو أن العرب أدغموا أحیاناً حرفین متفاوتین لهما خواص طبیعیة مشترکة، أو مخارج قریبة من بعضها (یسمی هذان الحرفان متقاربین، وبعد التغییر متجانسین).
ولکانتینو في الإدغام رأي لایختلف کثیراً عن رأي کبار علماء الصرف و النحو، فهو یقول في المقالة التي نشرها في مجلة سمتیکا (1949م): إذا کان في کلمة واحدةحرفان وکانا قریبي المخرج من بعضهما، ینبغي أن یخضعا للإبدال أولاً و یصبحا مشابهین لبعضهما، ثم یدغمان، أي أنه یجب أن تمرّ بهذه المراحل لأجل الإدغام: 1. أن یُحذف المجهور القصیر من بین هذین الاثنین، مثلاً یَهْتَدْي> یَهْتْدي؛ 2. عندها، یصبح الحرفان القریبا المخرج واحداً: * یَهدْدْي؛ 3. والان، أصبح ثلاثة مهموسات إلی جانب بعضهم، اثنان منهما متشابهان، والکلمة بهذه الصورة غیر قابلة للفظ للناطقین بالعربیة فلا مناص من استخدام مجهور قصیر هو في الواقع «مجهور مساعد»: * یَهِدْدي، أو * یَهَدْدي. وعلی هذا، تتحول کلمة یهتدي إلی الشکل الذي وردت علیه في القرآن، أي «یَهِدّي» (ظ: فلایش، I/ 144).
وقدم کانتینو في أثر آخر رأیه بشأن ذلک «المجهور المساعد» بشکل آخر: أولاً لمیسمّه مساعداً، ثانیاً یشیر إلی أن دور هذا المجهور لمیعد ینحصر في کونه دوراً صوتیاً، بل هو مؤثر في المعنی أیضاً: مثلاً في * یَصبُّ، فإذا کان ذلک المجهور فتحة، فالفعل بمعنی العشق، وإذا کان ضمة، فمعناه سکب الماء (ص 199؛ أیضاً ظ: فلایش، ن.ص).
إن أکثر أشکال الإدغام طبیعیة یحدث عندما یرد حرفان متشابهان في کلمة واحدة مع مجهورین قصیرین یقع مجهور قصیر قبلهما مثل رَدَدَ > رَدَّ، أو رُدِدَ.> رُدَّ، أو أن یأتي مهموس واحد في الأول و مجهوران قصیران في الوسط والآخر مثل یَردُدُ > یَرُدُّ. وهنا ویتسکین الحرف الأول من المثلین تقع أولاً ثلاثة مهموسات إلی جانب بعضها، فتغدو الکلمة غیر قابلة للتلفظ:* یَرْدْدُ. ولهذا ننقل الحرکة السابقة لأول حرف مدغم إلی الذي قبله: یَرُدُّ. کما أن من الممکن أن یکون مجهور قبل حرفین متشابهین،مجهوراً طویلاً: * یَحْمارِرُ> یَحْمارُّ. فإذا أضیف عقب الحرفین المتشابهین جزءٌ یبدأ بمهموس (- تَ، أو – تُم)، أو بحسب مصطلح النحویین أصبح الحرف الثاني من المثلین ساکناً، فلن یعود الإدغام ممکناً، مثل فَرَرْتُ، فَرَرْتُم.
ولاشک في أن الشکل المؤنث للجمع أَرْدُدنَ أیضاً یقع ضمن نفس إطار الصوت. غیر أن سیبویه تناوله بشکل مستقل ومفصل وأورد عن الخلیل أن رهطاً من قبیلة بکر بن وائل کانوا یلفظون تلک الصیغة بشکل رَدَّنَ (3/ 534-535).
ومن البدیهي أن الشعراء عندما کانوا یواجهون أشکالاً کهذه، کانوا یتمتعون بحریة أکبر بذریعة الوزن الشعري، فیستطیعون مثلاً أن یقولوا ضنِنوا بدلاً من ضَنّوا.
کما أن من الممکن أن تستلزم صیغة فعلٍ ما أن یُسکّن آخر حرف فیه (مثلاً في المضارع المجزوم، أو الأمر)، وفي هذه الحالة، فإن الوقف علی الحرف المشدد الذي ظهر نتیجة إدغام متماثلین، متعذَّر بطبیعة الحال؛ ففعل الأمر من یَرُدُّ سیظهر بشکل * رُدْدْ، و لتجنب هذه الصعوبة، اتّخذ أسلویان: أحدهما أسلوب بنيتمیم و آخرین کثیرین من العرب، والآخر أسلوب الحجازیین:
ألف- کان بنوتمیم یدغمون حرفین مع بعضهما لیصبحا واحداً، یضیفون إلی آخره حرکة کانت تتغیر – علی مایبدو – بحسب رغبة القائل، أو عادة کل قبیلة. ورغم کل ذلک، فقد حاول سیبویه أن یضع الإدغام ضمن نظام معین، و علی الشکل التالي: 1. أن تتبع هذه الحرکةُ الحرکة التي سبقتها: رُدُّ،عَضَّ، ضارَّ، فِرِّ. لکن هذه القاعدة تتغیر أیضاً في الموضع الخاص للصوت، فتصبح مثلاً فتحة بشکل مطلق عند الاتصال بالضمیر «ها» و کسرة عند الاتصال بحرف التعریف: رُدَّها، عَضِّ الرجل؛ 2. کان بعض العرب یجعلونها فتحة بشکل مطلق: رُدَّ، عَضَّ، فِرَّ؛ 3. وکان البعض (قبیلتا کعب و غني)یکسرون دائماً أواخر مثل هذه الأفعال (3/ 530-534).
ب- کان الحجازیون أمام هذه الظاهرة یقولون بالفک، وبذلک یعودون إلی الشکل الأصلي للفعل؛ أرْدُدْ، إن تَسْتَعْدِدْ، اِسْتَعْدِدْ، وحتی عندما یحذف السکون بشکلٍ ما من آخر الفعل، فقدکانوا یتجنبون الإدغام أیضاً: إن تَستَعدِدِ الیومَ (م.ن، 3/ 530).
والإدغام ممکن في نصف المجهور أیضاً، والمثال الشهیر علی ذلک فعل حَیِيَ الذي یجوز فیه أن یقال حَيَّ أیضاً (مثلاً السیوطي، البهجة، 314-315).
لما کانت هناک في أبواب المزید حروف تضاف إلی أول ووسط و آخر مادة الفعل، و تکون هذه الحروف أحیاناً مشابهة لحروف المادة، أو قریبة المخرج منها، تظهر لامحالة أحیاناً ظروف خاصة للتلفة یکون فیها الإدغام أکثر قبولاً، وأغلب مواضع الإدغام هي في هذه الأبواب:
1. باب الافتعال: إذا کان الحرف الثاني من المادة تاءً، یمکن حدوث الإدغام: ستر اِسْتَتَرَ > سَتَّرَ، أو سِتَّرَ، یَسْتَتِرُ > یَسَتِّرُ، أو یَسِتِّرُ (ظ: الزمخشري، 195؛ رایت، I/ 67).
2. وکما أوضح جمیع کبار علماء الصرف و النحو (مثلاً ظ: الزمخشري، ن.ص)، فإنه في بابي تفعّل وتفاعل یمکن إدغام التاء إلی فاء الفعل شریطة أن یکون فاء الفعل أحد حروف الإطباق (د،ت، ط) أو انقباضیة التلفظ (ذ، ظ) أو انقباضیة صفیریة (س، ص) أو أحد الحروف الشجریة مثل (ض، ج، ش) (رایت، I/ 64؛ فلایش، I/ 142-143). وفي حالة کهذه یسقط المهموس القصیر «تـ» تلقائیاً:
تَفَعُّل: تَفَعَّلَ = تَطَیَّرَ > * تْطَیَّرَ > * طَیَّرَ > اِطَّیَّرَ (إضافة الهمزة لتسهیل اللفظ)، أو تَذَکَّرَ > * تْذَکَّرَ > * ذَّکَّرَ > إذَّکَّرَ. یَتَفَعَّلُ = یَتَطَیَّرُ >* یَتْطَیَّرُ > یَطَّیَّرُ، أو یَتَذَکَّرُ >* یَتْذَکَّرُ > یَذَّکَّرُ.
تَفاعُل: تَفاعَلَ = تَساقَطَ > * تْساقَطَ > * سَاقَطَ > إسّاقَطَ، یَتَفاعَلُ = یَتَساقَطُ >* یَتْساقَطُ > یَسّاقُطُ.
والحالات الأخری التي تحدث في أبواب المزید والرباعي لاتتجاوز مانقلناه في البدء مثل اِحْمَرَ > اِحْمَرَّ، أو اِحْمارَرَ > اِحْمارَّ (الإسترابادي، 1(3)/ 240).
إن تلک الظروف الصوتیة التي کانت تظهر في الأفعال المذکورة و تؤدي إلی الإدغام یمکن أن تحدث في الاسم و الصفة أیضاً:
1. في جمع التکسیر علی وزن فَعالِل: * مَوادِدُ > موادُّ.
2. في اسم الفاعل من الفعل الثلاني: * فارِرٌ > فارٌّ.
3. في اسمي الفاعلی و المفعول من فاعَل، أفعل، تفاعَل انفعل، افتعل و استفعل.
فاعَل: * مُمادِدٌ > مُمادٌّ؛ * مُمْادَدٌ > مُمْادٌّ.
أفعل: * مُمْدِدٌ > مُمِدٌّ؛ * مسْمدَدٌ > مُمَدٌّ.
تفاعَل: * مُتَمادِدٌ > مُتَمادٌّ.
انفعل: مُنْکَبِبٌ > مُنْکَبٌّ.
افتعل: * مُمْتَدِدٌ > مُمْتَدٌّ.
استفعل: * مُسْتَمْدِدٌ > مُسْتَمِدٌّ؛ * مُسْتَعْدِدٌ > مُسْتَعِدٌّ؛ * مُسْتَعْدَدٌ > مُسْتَعَدٌّ.
4. في مصادر فاعَل (فِعال و مُفاعلة) و تَفاعَل (تفاعُل) مثل * مُمادَدَة > مُمادَّة و * تَمادُدٌ > تَمادٌّ.
5. في أفعل التفضیل: * أَحْبَبُ > أَحَبُّ.
إدغام حرفین من کلمتین: إذا تماثل آخر حرف من کلمة مع أول حرف من کلمة تلیها، فقد تظهر حالتان: إما أن یکون بین هذین الحرفین مجهور قصیر وإما لایکون (بعبارة أخری، إما أن یکون الحرف الأخیر من الکلمة الأولی ساکناً، أو متحرکاً). و فضلاً عن ذلک فإن مخرج صوت الحرفین المتماثلین عامل مهم في ذلک أیضاً. ومن مجموع ما ذکر تحصل الحالات التالیة:
1. إذا لمیقع مجهور بین الحرفین المتماثلین، فالإدغام واجب: اِسمَع عِلماً (‘isma’’ilman).
2. إذا وقع مجهور بین الحرفین المتماثلین، فبحسب الهجاء الذي یسبقهما تحصل الحالات التالیة:
2-1. أن یسبقهما هجاء قصیر: مثل ... بِ + عَـ/ عَـ ... في «طُبع علی»، فالإدغام جائز (tubi’’alā)، وحتی في الهمزتین أیضاً – عند من یقول بتخفیف الهمزة – الإدغام متیسر، مثل: قَرَأَ أبوکَ (qara’’abük).
2-2. أن یسبقهما هجاء طویل: مثل قـ + ا + لَ + لـَ ... في «قالَ لَهُ».
إذاسبقت نونَ الوقایة نونُ الإعراب جاز الإدغام: یظلمونني > یظلمونَي، تظلمونني > تظلمونَي، تظلمینني > تظلمینّي (عن الإدغام، أو الفک، ظ: فلایش، I/ 145-146).
2-3. إذا سبق مجهور مرکب الحرفین المتماثلین، جاز الإدغام: ثَوبُ بَکر (tawbbakr).
2-4. إذا سبق هجاء مطبق الحرفین المتماثلین، فامتنع الإدغام برأي الإسترابادي، إذیقول: «وإن کان الساکن حرفاً صحیحاً لمیجز الإدغام» (1(3)/ 247-248)، مثل: ... هـ + رُ/ ز... في «شَهْرُ رَمضان»، أو «خُذِ العَفْوَ وَ أُمُرْ». وقد دحض الإسترابادي رأي من یقول بالإدغام في هذه الحالة، ویعتقد أنه إخفاء ولیس إدغاماً مثل ما حصل في «رَوم» فهو مجهور قصیر جداً (šahru ramaĐān).
الهمزة: لما کان التعامل مع الهمزة یتم بشکلین في لهجتي بني تمیم و قریش ووردت کلتا هما في القرآن الکریم و الشعر العربي، فقد اتسعت الدراسات فیها. و بدیهي أن الهمزة إذا کانت حرفاً انسدادیاً من أقصی الحلق و تکون نتیجة لانفجار صوتي (في لهجة بني تمیم) تختلف اختلافاً کلیاً عن الهمزة التي تبدو و کأنها مستبدَلة بمجهور، أو حتی نصف مجهور أحیاناً (في لهجة قریش).
و عن إدغام الهمزة – و المقصود الهمزة التمیمیة – یرفض الإسترابادي بعض إیضاحات ابن الحاجب و یقدم هو آراء شاملة (1(3)/ 236). وخلاصة ذلک البحث هي: الإدغام في الهمزة یقع أساساً في کلمتین (آخر حرف في الأولی و أول حرف في الثانیة). و یمکن لمخرج الصوتأن یتخذ حالتین:
1. همزة ساکنه + همزة متحرکة، حیث وجب الإدغام في هذه الحالة مثل ایقرأُ آیة (‘iqra’’äya)، أقَرِئُ أباک (‘aqri’’abak)، لِیُقرَأ أبوک (li-yuqra’’abūk).
2. همزتان متحرکتان حیث جاز الإدغام في هذه الحالة. یکتب الإسترابادي أن سیبویه کان یعتبر هذا الإدغام مقبولاً، إلا في لغة من کان یمیل إلی تخفیفة الهمزة.
لکن کثیراً من الحالات التي أوردها الإسترابادي في باب إدغام الهمزة (کنموذج ظ: 1(3)/ 33)، هي في الواقع اتجاه الهمزة إلی مجهور وإدغامها في المجهور الطویل الذي یسبقها (للاطلاع علی استبدال الهمزة بنصف المجهور و الإدغام، ظ: 1(3)/ 237)، والنموذج علی ذلک هاتان الکلمتان: مقروءٍ > مقروٍّ،بريءٍ > بريٍّ.
استناداً إلی آراء الإسترابادي (ن.ص). فقد استحسن ادغام اثنین من أنصاف المجهورات المتشابهة مع بعضهما، مثل: تَولَّوا وَ استغنی الله > تَوَلَّوَّ ستغنی الله (…aw/ wa> …awwa…)، إخْشَي یاسراً > اِخْشَیّا سراً (…ay/ ay…> … ayya ….)؛ بینما لمیستحسن إدغام مجهور طویل بنصف مجهور: في یومٍ (fī/ ya…)، وقالوا وَما (…lū/ wa…). ونجد نفس الحالة في قووِل (علی وزن فوعل)، لکن الإسترابادي یعتبر سبب عدم الإدغام هو تجنب اللبس، أي أن قُوِّلَ تصبح صیغة مجهول من باب التفعیل (فُعِّلَ) (1(3)/ 238).
وبدیهي أن عاملي اللفظ والمعنی یجعلان عملیة الإدغام عسیرة في کثیر من الحالات، و قد بحث أغلب النحاة هذا الأمر، أو أنهم وضحوا أسباب الفک، أو قدموا فهرستاً بهذه الشواذ، و یمکن أن نجد مجموعتها بشکل منظم في البهجة للسیوطي (ص 315-316).
في نهایة المقالة.
آذرتاش آذرنوش/ هـ.
إن تاریخ نقاش البحوث ذات العلاقة الإدغام في نطاق العلوم القرآنیة لایقل عن تاریخ دراسته في البحوث الصرفیة. ففضلاً عن أن بحوث الإدغام بجمیع تفاصیلها وجدت طریقها إلی متون التجوید في نطاق علم الصرف العربي،خطا علماء فن التجوید في نفس الوقت خطوة علی طریق إکمال البحثو الصرفیة للإدغام بطرحهم أحکام التنوین والنون الساکنة (ظ: السیوطي، الإتقان، 1/ 331). وانبروا في باب إدغام النون الساکنة و التنوین في الحروف الستة «یرملون» التي وضعوها في مصادیق إدغام المتقاربین، لطرح نوعین «الإدغام مع الغُنّة والإدغام بلاغتة» (ابن الجزري، التمهید، 166-168، «المقدمة...»، 70-71). کما وضعوا أسس مصطلحي الإدغام الناقص و الإدغام الکامل وعرّفو هما، ونبهوا إلی هذه الحقیقة اللغویة و هي أن النون الساکنة، أو التنوین في حروف «یومن» (ي وم ن) لاتدغم في حقیقة الدمر، بل تُخفی، وإذا کان مقرراً أن یُسمی ذلک إدغاماً تساهلاً، فإن صفة الإدغام مع الغنة، أو الإدغام الناقص هي الأجدر به، و کذلک العکس، فإن الإدغام بلاغنة للتنوین و النون الساکنة في کل واحد من الحرفین «ر» و«ل» من حروف یرملون، یعتبر بحقٍّ إدغاماً کاملاً (م.ن، التمهید، ن.ص، النشر، 2/ 27-28).
ورغم أن علم القراءات کثیراً ما کان متقدماً علی علم التجوید في نشأة العلوم الإسلامیة و تدوینها، فإننه یمکن بمراجعة متون القراءات أن ندرک أن القراء و المقرئین کانوا مدینین ببحوثهم الدساسیة للإدغام و أمثاله للنقاشات و التدقیق العلمي و الفني لأهل التجوید (م.ن، التمهید، 113-163، النشر، 1/ 278-280؛ أیضاً ظ: الفضلي، 126-127)؛ رغم أن المقرئین و علماء القراءة في علم القراءات أیضاً لم یکتفوا بطرح أحکام الإدغام و شروطه و أسبابه و موانعه والذي هو بحث تجویدي صرف (ظ: ابن الجزري،ن.م، 1/ 278)، وتناولوا – آخذین بنظر الاعتبار موضوع هذا العلم – شرحه بشکل واف و تصنیفه وإحصاء الرواة و طرق روایة الإدغام من مقرئیه الکبار ورواته المشهورین (کنموذج، ظ: أبوعمرو، 19-29؛ ابن الجزري، ن.م، 1/ 275-278، 280-296). وعلی الرغم من أنه یُخصص عادة في کتب القراءات فصل للإدغام الصغیر توضح فیه کیفیة اختلاف القراء في شتی حالاته (أبوعمرو، 41-45؛ ابن الجزري، ن.م، 2/ 2-21)، و تطرح فیه أیضاً أحکام التنوین والنون الساکنة – التي تشتمل فضلاً عن الإدغام علی الإظهار و الإخفاء و الإقلاب – بهدف تبیان اختلاف القراء في تلک الأحکام (ظ: ن.م، 2/ 22-29)، فقدکان اعتماد دراسة و بحوث المقرئین والمؤلفین في علم القراءات دائماً علی الإدغام الکبیر (کنموذج، ظ: ن.م، 1/ 274-304)، إلی الحد الذي احتل معه هذا البحث في علم القراءات مکانة بارزة بوصفه أحد العلوم القرآنیة، وألف بعض العلماء کتباً و رسائل مستقلة في هذا الباب.
وقد روي الإدغام الکبیر في مواضع کثیرةمن القرآن الکریم، عن عدد من مشاهیر المقرئین و منهم الحسن البصري و ابن محیصن والأعمش و یعقوب الحضرمي، لکن من بین القراء السبعة و العشرة اشتهر فحسب أبوعمرو البصري و مدرسته في القراءة التي هي السمة البارزة لقراءة أهل البصرة، بالإدغامات الکبیرة (ن.م، 1/ 275)، وإلیه نسب القولک «الإدغام کلام العرب الجاري علی لسان هؤلاء القوم ولایتکملون بغیره» (ن.ص). ورغم هذا، واجه مؤلفو کتب القراءات والمقرئون الکبار روایة الإدغامات الکبیرة لأبي عمرو البصري بأسالیب مختلفة حتی إن بعضهم مثل أبي عبید و ابن مجاهد و مکي لمیتطرقوا إلیها بدي شکل، بینما روی البعض مثل جمهور مقرئي العراق الإدغامَ بوصفه أحد وجهي قراءة أبي عمرو (الإظهار و الإدغام) بشکل کامل من جمیع الطرق؛ و رواه البعض الآخر عن الدوري و السوسي راویتي أبي عمرو المشهورین، و أورد البعض أیضاً مثل أبي عمرو الداني، وجه الإدغام فقط عن السوسي نقلاً عن أبي عمرو (ن.م، 1/ 273-276).
وجدیر بالذکر أنهم ورغم القول الشائع ورأي جمهر علماء الصرف والتجوید و القراءات – الذین اعتبروا الإدغام تزویقاً للکلام و منمحسنات القراءة – و کلام أبي عمرو البصري المبالغ فیه في باب الإدغام، فذننا یمکن أن نجد أیضاً في ثنایا متون العلوم القرانیة و آراء و نظریات علماء الإسلام، اراءقائمة علی کراهة الإدغام و عدم تحبیذه، ومن بینهم السیوطي الذي نسب القول بکراهة الإدغام لدی تلاوة القرآن لفریق من علماء العلوم القرآنیة لم یذکر أسماءهم. ونسب کراهة الإدغام في القراءة خلال الصلاة إلی حمزظ الکوفي من القراء السبعة، وصنف آراء علماء الإسلام في ثلاثة أقوال: عدم الکراهة، الکراهة في تلاوة القرآن، الکراهة في القراءة خلال الصلاة (الإتقان، 1/ 331).
وبحث الإدغام مصحوب دائماً بالبحوث المتعلقة بالإظهار و الإخفاء والإقلاب (ظ: ابن الجزري، التمهید، 67؛ السیوطي، ن.م، 1/ 323). والذظهار الذي یرادف مصطلح البیان (ابن الجزري، ن.م، 62، 69) متی ما استخدم فإن المقصود به ترک الإدغام، و فرقه عن فک الإدغام (في کلمات مثل مُدَّ أُمدُد) هو أن یُفک الإدغام بعد حدوثه، وفي هذه الحالة یُمتنع عن الإدغام أساساً. والمثال الشهیر علی ذلک هو إظهار التنوین و النون الساکنة قبل الحروف الحلقیة (ابن مجاهد، 125). والإخفاء حالة بین الإدغام و الإظهار حیث لایُشدد الحرف الثاني وتُؤدی النون، أو التنوین فحسب مع الغنّة، ولأجل أدائه یلتف الصوت في الخیشوم. والإخفاء في حالة التنوین و النون الساکنة یتم قبل الحروف التي لایحصل فیها إدغام، أو إظهار، أو إقلاب، وعددها خمسة عشر (الصفاقسي، 101-102)، کما أن الإقلاب، أو القلب في المصطلح هو قلب التنوین و النون الساکنة قبل حرف الباء، میماً في التلفظ (ابن الجزري، ن.م، 168).
ابن الجزري، محمد، التمهید، تقـ: غانم قدوري حمد، بیروت، 1402هـ/ 1982م؛ م.ن، «المقدمة الجزریة»، مع الدقائق المحکمة للأنصاري، تقـ: نسیب نشاري، دمشق، 1400هـ/ 1980م؛ م.ن، النشر في القراءات العشر، تقـ: علي محمد الضباع، القاهرة، مطبعة مصطفی محمد؛ ابن جني، عثمان، الخصائص، تقـ: محمدعلي النجار، القاهرة، 1374هـ/ 1955م؛ ابن مجاهد، أحمد، السبعة في القراءات، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1972م؛ ابن هشام، عبدالله، شرح جمل الزجاجي، تقـ: علي محسن عیسی، بیروت، 1986م؛ ابن یعیش، یعیش، شرح المفصل، بیروت، عالم الکتب؛ أبوعمرو الداني، عثمان، التیسیر، تقـ: أ. پرتسل، إستانبول، 1930م؛ الأزهري، محمد،تهذیب اللغة، تقـ: عبدالعظیم محمود، القاهرة، الدار المصریة؛ الإسترابادي، محمد، شرح شافیة ابن الحاجب، تقـ: محمد نورالحسن و آخرون، بیروت، 1395هـ/ 1975م؛ الزمخشري، محمود، المفصل في النحو، تقـ: ي. پ. بروخ، لایبزک 1879م؛ سیبویه، الکتاب، تقـ: عبدالسلام محمدهارون، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ السیوطي، الإتقان، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهیم، القاهرة، 1387هـ/ 1967م؛ م.ن، البهجة المرضیة، مصطفی الحسیني، قم، 1363ش؛ الصفاقي، علي، تنبیه الغافلین، القاهرة، 1986م؛ الفضلي، عبدالهادي، القراءات القرآنیة، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ المبرد، محمد، المقتضب، تقـ: محمد عبدالخالق عضیمة، بیروت، 1383هـ/ 1963م؛ وأیضاً:
Cantineau, J., Etudes de linguistique arabe, Paris, 1960; Fleisch, H., Traité de philology arabe, Beirut, 1986; Wright, W., A Grammar of the Arabic Language, Leiden, 1932.
محمدعلي لساني فشارکي/ هـ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode