أَخْلاقُ ناصِريّ، أهم رسالة في الحکمة العملیة خلال العهد الإسلامي، ألف الخواجه نصیرالدین الطوسي (تـ 672هـ/ 1273م) هذا الأثر عندما کان في قُهستان في خدمة حاکمها ناصرالدین عبدالرحیم، الوجیه الإسماعیلي الذي کان قد دعا الخواجه لینضّم إلی حاشیته و طلب إلیه أن یترجم تهذیب الأخلاق (طهارة الأعراق) لأبي علي مسکویه (ن.ع) إلی الفارسیة (ظ: نصیرالدین، 34–36). و مع الأخذ بنظر الاعتبار تاریخ الانتهاء من تألیفه الوارد في خاتمة إحدی مخطوطات أخلاق ناصري (633هـ/ 1236م)، یمکن القول إن هذا الأثر هو أقدم مؤلفات الخواجه التي وصلتنا، و من آثار بدایة فترة نضجه (مینوي، 15–16).

التحق الخواجه بخدمة خان المغول قبل سقوط ألموت إثر الاجتیاح المغولي بقلیل وفي الفترة التي کان فیها جیش هولاکو علی مقربة من قلاع الإسماعیلیة (654هـ/ 1256م)، و کتب دیباجة جدیدة لأخلاق ناصري و قدمه لهولاکو. و قد أوضح الخواجه نصیرالدین (ص 34–35) في مقدمته الجدیدة أنه کتب الدیباجة القدیمة لأخلاق ناصري خلافاً لرغبته «لإنقاذ النفس و العرض و ذلک بوضع الدیباجة بشکل ینسجم و طباع تلک الجماعة [الإسماعیلیة] في الثناء و الإطراء علی ساداتهم و کبرائهم....»، لکنه «غیّر دیباجة الکتاب التي کانت بأسلوب غیر مرضٍ» بعد تحرره من وضعه غیر المناسب في قهستان. و قد أضاف إلی الکتاب سنة 663هـ فصلاً في حق الوالدین علی الأبناء (ظ: المرکزیة، 17/ 5).

یتکون أخلاق ناصري کما هو علیه الیوم من 3 أقسام: الأخلاق و تدبیر المنزل و سیاسة المدن، و یتطابق مع الأقسام الثلاثة للحکمة العملیة في الفلسفیة القدیمة بالشکل الذي کان فلاسفة العصر الإسلامي قد رتبوه اتباعاً للتقلید الأرسطي في تقسیم العلوم. و قد أوضح الخواجه في مقدمة أخلاق ناصري أن ناصرالدین وجیه قهستان کان قد طلب إلیه أولاً أن یترجم إلی الفارسیة تهذیب الأخلاق لأبي علي مسکویه الذي کان قد اکتفي بشرح الأخلاق العقلیة الیونانیة، لکن و لما کان الفنّان الآخران من فنون الفلسفة العملیة، أي الحکمة المدنیة و الحکمة المنزلیة (سیاسة المدن و تدبیر المنزل)، قد اندرست بمرور الزمان کما یری الخواجه، ولم یکن أبوعلي مسکویه قد تناول هذین القسمین في تهذیب الأخلاق، فقد أتم الخواجه علم الحکمة العملیة بإضافة کلیات هاتین الفلسفتین من أقوال الحکماء المتقدمین، خاصة أبي نصر الفارابي، إلی «الحکمة الخُلقیة» لتهذیب الأخلاق (ظ: ص 36).

و کما أسلفنا فإن تخطیط الأقسام الثلاثة من أخلاق ناصري یتناسب و تقسیم الحکمة العملیة. و قد ثبت فلاسفة العصر الإسلامي في نهایة القرن 4هـ/ 10م هذا التقسیم و من بینهم ابن‌سینا في دانشنامۀ علائي (ص 68–69، أیضاً ظ: «أقسام العلوم...»، 69–70) و أبوعلي مسکویه في «ترتیب السعاات» (ص 422 و ما بعدها)، و بعد هذین، کرر هذا التقسیم جمیع کتّاب العصر الإسلامي و منهم نصیرالدین الطوسي (ص 40–41).

و قد استقي الجزء الأکبر من القسم الأول من أخلاق ناصري في «الحکمة الخلقیة»، من کتاب تهذیب الأخلاق لأبي علي مسکویه و هو أهم کتب الأخلاق العقلیة في العصر الإسلامي، و قد أعدّ أبوعلي مسکویه هذا الکتاب علی أساس الترجمة العربیة لإسحاق بن حنین لکتاب أخلاق نیقوماخیا لأرسطو و تفسیر فورفوریوس لهذا الکتاب (بدوي، 27–31). و علی هذا فإن القسم الرئیس من الحکمة الخلقیة في أخلاق ناصري هو أرسطي و أفلاطوني حدیث.

أما القسم الثاني في الحکمة المنزلیة فقد استقاه الخواجه من رسالة تدبیر المنزل لکاتب مجهول فیثاغوري حدیث یدعی بروسن و التي کانت مترجمة إلی العربیة. و قد أوضح الخواجه نصیرالدین بشکل جید أنه لایوجد بین أیدي المتأخرین من الکتب الیونانیة في تدبیر المنزل سوی مختصر من کتاب بروسن، و أنه أورد في القسم الثاني من أخلاق ناصري هذه الرسالة ملخصةَّ، لکن مزینة بمواعظ و آداب المتقدمین و المتأخرین (ص 208؛ أیضاً ظ: مینوي، 384–385).

کما أن القسم الثالث من أخلاق ناصري مستقي بشکل رئیس من رسالتي فصول المدني و آراء أهل المدینة الفاضلة للفارابي، و رسالة السیاسه لابن سینا (م.ن، 388–389). و یختتم هذا، القسم بفصل من وصایا أفلاطون. و علی هذا، فإن کتاب أخلاق ناصري ترکیب و تألیف من بعض الرسائل في العصر الإسلامي، جمعها الخواجه و ترجمها إلی الفارسیة. و یوضح الخواجه في نهایة المقدمة الجدیدة لأخلاق ناصري أن «مضمون الکتاب قد صیغ من جوامع الحکمة العملیة بأسلوب النقل و الحکایة، و طریق الإخبار و الروایة عن الحکماء المتقدمین و المتأخرین» (ص 43). و علی هذا، فإن الخواجه – و کما یقول هو – لم یتدخل «في إحقاق الحق و إبطال الباطل» ولم یخض – في العقائد – في مسألة تفضیل أحد الآراء، أو إظهار زیف أحد المذاهب (ن.ص).

 و قد سنّ الخواجه نصیر الدین بتألیفه أخلاق ناصري أول أثر مهم في الحکمة العملیة، سنة لم یسبقه إلیها أحد في العهد الیوناني ولا في العصر الإسلامي. فقد کان فلاسفة العصر الإسلامي من قبله قد ألفوا في کلیات الحکمة النظریة آثاراً مهمة مثل دانشنامۀ علائي بالفارسیة و الشفاء بالعربیة، إلا أن أخلاق ناصري یعتبر أول أثر في الحکمة العملیة، و لهذا السبب أیضاً اتخذه الفلاسفة الذین تلو الخواجه، نموذجاً یحتذی في تدوین ککیات الحکمة العملیة. و قد خصص قطب‌الدین الشیرازي (تـ 710هـ/ 1310م)، تلمیذ الخواجه في کتاب الموسوعي درة التاج الذي کان یشتمل علی جمیع علوم عصره، قسماً وافیاً للحکمة العملیة، ألف في کثیر من جوانبه علی أساس أخلاق ناصري، رغم أنه لم یشر إلی الخواجه بسبب الحقد الذي کان یکنه له علی ما یبدو (قا: مشکوة، 43–44، 71). کما أن جلال‌الدین الدواني (تـ 908هـ/ 1502م) الحکیم الإشراقي کتب تحریراً جدیداً لأخلاق ناصري تحت عنوان أخلاق جلالي، أضاف فیه إلی الموضوعات التي اقتبست من أخلاق ناصري بلغة سلسة، فوائد أخری من الکتاب و النسة و مؤلفات أهل الشریعة مثل أبي الحسن الماوردي و محمد الغزالي و فخرالدین الرازي؛ و حذف مقابل ذلک البحث الخاص بـ «آداب شرب‌الخمر» (ظ: الدواني، مخـ؛ أیضاً دانش‌پژوه، 20).

توجد مخطوطات عدیدة لأخلاق ناصري في شتی مکتبات إیران و العالم (للاطلاع علی بعض هذه المخطوطات، ظ: منزوي، المخطوطات، 2/ 1534–1538، المخطوطات المشترکة، 4/ 2228–2234)، و کانت إحدی أقدم مخطوطات هذا الکتاب، المخطوطة المدونة في 676هـ التي کان آقابزرگ قد رآها في النجف بمکتبة محمدعلي الخوانساري (ظ: 1/ 381). و في هذه المخطوطة، وردت في خاتمة الکتاب – فضلاً عن المقدمة الثانیة له – مقدمة الخواجه للتحریر الأول. طبع أخلاق ناصري مراراً (ظ: مشار، 1/ 139–140)، یمکن أن نذکر من بینها «منتخب» جلال‌الدین همایي (طهران، 1320ش) و الطبعة العلمیة التي حققها مجتبی مینوي و علي‌رضا حیدري (طهران، 1356ش)، و طبعة قدم لها بزرگ علوي (طهران، 1360ش).

کان لأخلاق ناصري ملحضات و شروح عدیدة، و منها: أوصاف الأشراف، و هو خلاصة للکتاب کتبها الخواجه نفسه، طبع في إیران و الهند مراراً (ظ: شوری، 6/ 90)؛ مفتاح الأخلاق، شرح أعده عبدالرحمان بن عبدالکریم البرهانپوري لأورنگ زیب ملک الهند (منزوي، ن.م، 4/ 2234)؛ توضیح الأخلاق. قام الأمیر علاء‌الدین حسین الآملي في 1051هـ بتدوین الکتاب بلغة سلسلة بأمر من الشاه صفي. و قام بهذا العمل أیضاً أبوالمعالي العاملي للسلطان عبدالله قطب شاه و حمل عنوان توضیح الأخلاقِ عبدالله شاهي (دانش‌پژوه، ن.ص)؛ کذلک حدیقة اللغة لمحمد سعدالله؛ شرح أخلاق ناصري للسید علیم الله الجالندهري؛ شرح أخلاق ناصري للسید علي محمد اللکهنوي (منزوي، ن.ص).

کما یوجد کتاب بعنوان مهذب الأخلاق لمؤلف مجهول، و الکتاب في حقیقته هو نفس أخلاق ناصري، و قد أجریت تعدیلات في القسم الثالث منه فقط، کما اختزلت مقالاته من 8 إلی 4 (م.ن، فهرست...، 2/ 986).

ترجم أخلاق ناصري إلی الإنجلیزیة بواسطة و یکنز و طبع بلندن في 1964م ضمن «مجموعة التراث الإیراني». و قد استفاد بزرگ علوي من هذه الترجمة عند طبعه للکتاب، و استناداً إلی ذلک فقد أضاف بزرگ علوي إلی الکتاب معجماً بالمفردات الفارسیة و الإنجلیزیة و بالعکس. و أخلاق ناصري من أهم النصوص الفارسیة في القرن 7هـ التي لم تتأثر بالأسلوب السائد في العصر المغولي، و هو دال علی تجدید و إبداع عالیین، و من هذا المنطق یمکن أن یکون موضعاً للبحث و انتفاع اللغویین و الباحثین في الأسالیب الأدبیة.

المصادر

آقابزرگ، الذریعة؛ ابن‌سینا، «أقسام العلوم العقلیة»، مع تسع رسائل، بومباي، 1318هـ؛ م.ن، دانشنامۀ علائي، تقـ: أحمد خراساني، طهران، 1360ش؛ أبوعلي مسکویه، أحمد، «ترتیب السعادات»، مع المبدأ و المعاد لصدرالدین الشیرازي، طهران، 1314ش؛ بدوي، عبدالرحمان، مقدمة الأخلاق لأرسطو، الکویت، 1979م؛ دانش‌پژوه، محمدتقي، فهرست نسخه‌هاي خطي کتابخانۀ دانشکدۀ أدبیات، طهران، 1339ش؛ الدواني، محمد، أخلاق جلالي، لکناو، 1318هـ؛ شوری، المخطوطات؛ المرکزیة، المخطوطات؛ مشار، خانبابا، فهرست کتابهاي چاپي فارسي، طهران، 1352ش؛ مشکوة، محمد، مقدمة درة التاج لقطب‌الدین الشیرازي، طهران، 1365ش؛ منزوي، فهرست نسخه‌هاي خطي کتابخانۀ گنج‌بخش، لاهور، 1357ش؛ م.ن، المخطوطات؛ م.ن، المخطوطات المشترکة؛ مینوي، مجتبی، مقدمة و تعلیقات علی أخلاق ناصري (ظ: همـ، نصیرالدین الطوسي)؛ نصیرالدین الطوسي، أخلاق ناصري، تقـ: مجتبی مینوي و علي‌رضا حیدري، طهران، 1363ش.

 جواد طباطبائي/ هـ.