اَلْأَخْرَس، عبدالغفارین بعدالواحد بن وهب (ح 1220-1290هـ/ 1805-1873م)، الشاعر الشیعي العراقي. اختلف في تاریخ ولادته بین السنوات 1210 و 1217و 1221 و 1225هـ (ظ: الزرکلي، 4/ 31؛ تیموریاي، 330؛ الأعظمي، 11؛ القاضي، 44).

و رغم شهرته الواسعة، لا تتوفر في المصادر سوی معلومات یسیرة و مکررة علی الأغلب عن حیاته. ولد في الموصل (الآلوسي، 1/ 116)، و أمضی طفولته فیها و درس اللغة و الأدب و الفقه علی أساتذتها (الأعظمي، ن.ص). ثم غادرها إلی بغداد و سکن قرب الکرخ (شیخو، 2/ 8). و لیس واضحاً سبب هجرته من الموصل إلی بغداد، لکن یبدو أن عبدالرحمان باشا الجلیلی (حکـ 1243–1244هـ)، نقم علیه بسبب الخطأ الذي کان قد ارتکبه، فهاجر هذا إلی بغداد خوفاً منه (الأعظمي، 11-12). وفي بغداد التحق الأخرس بأبي الثناء الآلوسي و أکمل عنده دراسته في اللغة و الأدب (م.ن، 11)؛ و درس علیه الکتاب لسیبویه، نال بعد ذلک إجازة بالتدریس (الآلوسي، ن.ص).

کان في لسانه لکنة و ثقلف فدُعي بالأخرس لسببه (زیدان، تراجم...، 2/ 342). و کانت هذه العلة قد سبب له عقداً نفسیة حادة، ظهر أثرها في سلوکه و تصرفاته و تقلباته، و حدّة مزاجه و انفعالاته (الأعظمي، 12). و کان قد نظم في إبان شبابه قصیدة في مدح داود باشا والي العراق، طلب إلیه فیها أن یساعده في أمر معالجة لسانه. فأرسله داودباشا إلی إحدی ولایات الهند، لکنه لم یستسلم للعلاج فعاد دون تحقیق فائدة (الآلوسي، 1/ 117؛ الأعظمي،ن.ص). و بقي شاعرنا یتنعم برعایة الوالي داود باشا، و توثقت صلاته بأعیان بغداد کالعلامة محمد سعید الطبقجلي و الشیخ عبدالغني آل جمیل و أبي الثناء الآلوسي و آل النقیب (م.ن، 13). و مع ذلک لم تکن حیاته مستقرة کما لم‌تکن لدیه مهنة یرتزق منها و کان یمضي أغلب أوقاته في المقاهي (م.ن، 14)، دو یتردد علی مختلف مدن العراق (عطاء‌الله، 2/ 324). و کان لم یزل یتردد إلی البصرة، لما انطوی علیه أهلها من السخاء و محبة الغرباء، ولا سیما الأدباء، و مدح کثیراً من أعیانها و کبارها و فضلائها و أخیارها.

و قبل وفاته بسنة قرر أداء فریضة الحج، لکنه مرض في البصرة و عاد إلی بغداد. وفي السنة التالیة عاود الذهاب إلی البصرة، فاشتدت به العلة و مات هناک (الآلوسي، 1/ 117–120؛ الأعظیمي، ن.ص).

یعد عصر داود باشا بدایة نهضة أبیة جدیدة في العرق و کان الأخرس أحد روّادها و اتبع أسلوبه الشعري من بعده شعراء کثر مثل الرصافي و الزهاوي و الأثري و الشبیبي، رغم أن أیاً منهم لم یبلغ مبلغه (م.ن، 18؛ الخفاجي، 85؛ الوردي، 1/ 253). فهو بعید الصیت طائر الشهرة في بلاد العراق و ماجاورها من بلاد العرب و العجم، یتناشد أشعاره الأدباء و یتنافسون بها في مجالسهم (زیدان، ن.م، 2/ 341، تاریخ....، 4/ 216). یقول شکیب أرسلان (15/ 438) هناک 3 أو 4 شعراء عراقیین اشتهروا في بلادنا، کان الأخرس من بینهم. و تعد المطالع الجمیلة و التراکیب و التعابیر الآسرة ورقة و رصانة المفردات و الموسیقي المطربة التي تأخذ بمجامع القلوب، من خصائص شعر الأخرس (الأعظمي، 15). و یستفاد من دراسة دیوانه أنه کان یتمتع بذکاء و خیال خصب و کانت له مهارة في ابتکار المعاني الجمیلة (زیدان، تراجم، 2/ 343). و رغم ذلک، فإنه اتخذ – شأنه في ذلک شأن معاصریه من الشعراء – من الشعر وسیلة للتکسب و انبری لمدح حکام عصره، و هذا ما أدی- کما یری بعض المعاصرین – إلی أن لا یبقی مجال لأثراء قریحته الشعریة ((الصائغ، 2/ 238؛ زیدان، ن.ص)، لکن خُصصت في دیوانه 26 قصیدة فحسب لمدح القضاة و الحکام و بقیة الوجهاء من مجموع 378 قصیدة (الأعظمي، 17). و کانت أغلب شهرته تقوم علی شعره الغزلي و الخمري و موشحاته. و کان له من المهارة في الغزل و وصف الخمر ما جعله یلقب بأبي نواس القرن 19م (EI2). و بطبیعة الحال، فقد أدت مشکلات الحیاة و عدم امتهان حرفة معینة و التخلف عن الأقران (القاضي، 45) و تأثره من لکنة لسانه بشکل خاص، إلی ن یخصص قسم مهم من شعره لقضایاه الشخصیة و الخاصة.

و هو یتبع في أغلب قصائده قوالب الشعر القدیم و ینبري أحیاناً في مطالع قصائده و بأسلوب الشعراء الجاهلیین لوصف دیار الحبیب و البکاء علی الأطلاع (الأعظمي، 16). و استخدامه المفرط للصنائع البدیعیة و الأدبیة خاصة الطباق و الجناس و التوریة و الستویغ و غیر ذلک؛ من الخصائص البارزة لأسلوب شعره، دون أن یزید ذلک في تکلف شعره (م.ن، 15). و کان الأخرس متأثراً جداً بشعر شعراء بارزین مثل البحتري و المتنبي و مهیار الدیلمي و الشریف الرضي (ن.ص). و تدل بعض قصائده علی القیومیة العربیة في أوساط أدباء ذلک العصر، و قد انتقد الشاعر بشدة میل العراقیین إلی الأجانب و توزعهم و تفرقهم إلی فرق متعادیة و أحزاب متقاتلة (نوار، 315).

و إحدی الخصائص التي تشیع في دیوان الأخرس بأسره هو استخدامه الکثیر لآیات و معاني القرآن الکریم و الأحادیث النبویة (ظ: 128–129، 291، 361، مخـ؛ الأعظمي، 17). و قد نظم قصیدة في مدح الإمامین موسی الکاظم و محمد الجواد (ع) (ص 87–88)، و فخر بشکل صریح بکونه شیعیاً (ص 492، 604). و رغم کل ذلک، فقد نظم قصیدة في مدح أبي حنیفة النعمان بن ثابت (ص 271)، مما هو دال ربما علی عدم تعصبه.

خلف الأخرس عدة رسائل أیضاً کتبت رداً علی إشکالات أحد علماء النصاری في قضایا المسلمین (الآلوسي، 1/ 119). و نثر هذه الرسائل مسجوع و مصنوع وفي نفس الوقت جذاب (ظ: الدجیلي، 94–96).

لم‌یکن الأخرس نفسه یولي کثیر اهتمام لجمع أشعاره (جواد، 341)، فقد جمعه بعد وفاته شاعر آخر یدعی أحمد عزة باشا الفاروقي و سماه الطراز الأنفس في شعر الأخرس و طبعه بإستانبول في 1304هـ، و تضم هذه المجموعة 338 قصیدة بما یزید مجموعه علی 10 آلاف بیت (زیدان، ن.م، 2/ 342؛ الأعظمي، 19). ثم أضاف إلیه الخطاط ولید الأعظمي 40 قصیدة أخری، فبلغ بقصائده 378 قصیدة و طبعه تحت عنوان دیوان الأخرس (ن.ص).

المصادر

الآلوسي، محمود شکري، المسک الأذفر، بغداد، 1348هـ/ 1930م؛ الأخرس، عبدالغفار، دیوان، تقـ: الخطاط ولید الأعظمي، بیروت، 1406هـ/ 1986م؛ الأعظمي، الخطاط ولید، مقدمة دیوان الأخرس (همـ)؛ تیمورباي، أحمد، أعلام الفکر الإسلامي، القاهرة، 1387هـ/ 1967م؛ جواد، مصطفي، «مخطوطة شعر الأخرس»، مجلة المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1962م، ج10؛ الخفاجي، محمد عبدالمنعم، الأدب العربي الحدیث، القاهرة، 1405هـ/ 1985م؛ الدجیلي، عبدالکریم، البند في الأدب العربي، بغداد، 1378هـ/ 1959م؛ الزرکلي، الأعلام؛ زیدان، جرجي، تاریخ آداب اللغة العربیة، القاهرة، 1957م؛ م.ن، تراجم مشاهیر الشرق، بیروت، دار مکتبة الحیاة؛ شکیب أرسلان، «نهضة العرب العلمیة في القرن الأخیر»، مجلة المجمع العلمي العربي دمشق، 1937م، ج 15؛ شیخو، لویس، الآداب العربیة في القرن التاسع عشر، بیروت، 1910م؛ الصائغ، سلیمان، تاریخ الموصل، بیروت، 1928م؛ عطاء‌الله، رشید یوسف، تاریخ الآداب العربیة، تقـ: علي نجیب عطوي، بیروت، 1985م؛ القاضي، محمود، موجز الأدب العربي في العصر الحدیث، بغداد، 1945م؛ نوار، عبدالعزیز سلیمان، داودباشا والي بغداد، القاهرة، 1968م؛ الوردي، علي، لمحات الجتماعیة من تاریخ العراق الحدیث، بغداد، 1969م؛ و أیضاً:

EI2.

زهرا موسوي جهان‌آبادي/ هـ.