الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / الأحوص /

فهرس الموضوعات

الأحوص

الأحوص

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/19 ۱۷:۱۷:۲۵ تاریخ تألیف المقالة

اَلْأَحْوَص، عبدالله بن محمد بن عاصم الأنصاري (ح 35–105هـ/ 665–723م)، شاعر من العصر الأموي. نبغ في قبیلة الأوس، و من هنا اکتسب لقب الأنصاري (ابن قتیبة، 1/ 424؛ الطبري، 3/ 421؛ ابن درید، 437؛ الآمدي، 59؛ أیضاً قا: ابن سلام، ط یوزف هل، 186، الذي اعتبره – خلافاً للآخرین – من قبیلة الخزرج). کان له ثلاث کنی: أبو عاصم، و أبو عثمان، و أبو محمد؛ إلا أنه اشتهر أخیراً بالأحوص لحوص کان في عینیه (الذهبي، تاریخ...، 4/ 91؛ الصفدي، 17/ 436؛ ابن شاکر، فوات....، 2/ 217–218). کان جده عاصم بن ثابت من صحابة النبي (ص) المعروفین وممن شارکوا في غزوتي بدر و أُحد (ابن سعد، 2/ 41، 43؛ ابن عبدالبر، 2/ 779). و قد فاخر الأحوص کثیراً بعاصم في أبیات و أشار إلی قتله بأیدي بني لحیان یوم الرجیع في 3هـ/ 624م (ص 200). کات أمّه أثیلة بنت عمیر بن مخشي (ابن شاکر، ن. م، 2/ 218).

اکتفت المصادر المتقدمة بروایات قلیلة عن حیاة الأحوص و شخصیته. وفي القرن 3 هـ دوّن کلّ من الزبیر بن بکار (ابن الندیم، 124) و علي بن محمد بن بسام (الیماني، 2/ 115) أخباره في أثرین منفصلین لایوجد لهما أثر في یومنا هذا و أغلب ما نعرفه عن حیاته الیوم هو الروایات التي جمعت في الأغاني، و من البدیهي أن لا تکون جمیع هذه الروایات صحیحة تاریخیاً و خاصة ما أضافه رواة القرنین 2 و 3هـ إلی الأساطیر الخاصة بغرامه، فضلاً عن أن الرواة الأوائل أنفسهم اعتبروا بعضها مختلفاً (مثلاً ظ: أبوالفرج، 9/ 133–134، 21/ 111؛ للاطلاع علی ببلیوغرافیة أخباره، ظ: سعد، 13–30).

ولد الأحوص في قباء وتر عرع فیها (الأصمعي، 20؛ قا: جمال، 40، 42). ولیس معروفاً تاریخ ولادته في المصادر المتقدمة، أما من المعاصرین فقد خمّن بلاشیر (ص 743) ولادته في 45هـ655م، بینما اعتبرها جمال (ن ص) في 40هـ.

کان مقر الخلافة علی عهد الأحوص قد انتقل من الحجاز إلی الشام و کان الأنصار في المدینة و قریش في مکة قد هبوا لمعارضة جهاز الخلافة؛ و کانت السیاسة الأمویة من جهة قد استقرت علی أن توفر في هاتین المدینتین جمیع وسائل اللهو و الملذات بسماعدة الثروات الطائلة التي کانت ترد من الفتوحات کي تستمیل سکان هذه المناطق إلیها، و من جهة أخری أخذت تغري الشعراء الماجنین ذوي القرائح الممتازة بالصلات الجزیلة لیبادروا إلی مدح الأمویین و ذم أعدائهم (ضیف، 46–56؛ آذرنوش، 142). و کغیره من کثیر من الشعراء لم یتمکن الأحوص من أن یبقي نقي الثوب من مدح الأمویین و الأنقیاد لهم، لکنه و بسبب سوءظن الخلفاء الأمویین بالأنصار، لم یتمکن علی الإطلاق من أن یحتل موقعاً مناسباً في بلاط الأمویین، خصوصاً و أن عبدالله بن حنظلة الذي کان قد ثار علی الأمویین في الحّرة سنة 63هـ کان من خاصة أقاربه (ابن عبدربه، 4/ 387–388؛ جمال، 50؛ سعد، 91). لهذا انقضت فترة من حیاة الشاعر في الحرمان الشدید و ذاق مراراً الطعم المرّ للسیاط بل و حتی النفي (ظ: تتمة المقالة).

و استناداً إلی المصادر المتقدمة فإن أول علاقة له بجهاز الخلافة کان لقاءه بمعاویة بن أبي‌سفیان؛ یقول البغدادي إن الأحوص ذهب مرة برفقة أبیه للقاء معاویة و ألقی خطبة، و عندما أراد أبوه أیضاً أن یلقي خطبة، منعه (2/ 141). و القصیدة التي نظمها في رثاء معاویة (البلاذري، 1(4)/ 158) تعدعم روایة البغدادي. و تظهر رضانة القصیدة أن نبوغ الأحوص الشعري کان آنذاک قد بلغ درجة الکمال (قا: سعد، 104). و قد خمن بعض المعاصرین تاریخ لقاء الشاعر بمعاویة في 60هـ، أي سنة وفاة معاویة، و کان الشاعر حینما في الخامسة و العشرین من عمره (م. ن، 103–104).

و منذ عصر یزید و إلی سنة 65هـ تقریباً لاتتوفر لدینا معلومات عنه، و استناداً إلی القصائد التي نظمها في مدح عبدالعزیز بن مروان (حکـ 65–85هـ) حاکم مصر (ص 109–116، 183–191)، یمکن القول تخمیناً إن الشاعر کان في ذلک الوقت المتزامن مع حکم عبدالملک بن مروان (65–86هـ) یعیش في بلاط عبدالعزیز (قا: ضیف، 119؛ سعد، 151). و کان للأحوص أیضاً علاقات وثیقة بأبناء عبدالعزیز، خاصة أبابکر و حظي بصلاتهم مراراً (أبوالفرج، 21/ 97؛ سعد، 157–158). و بعد تولي الولید بن عبدالملک الخلافة (حکـ 86–96هـ) توجه الأحوص إلی بلاد الشام و جرب حظه بقصیدة في مدح الخلیفة الجدید، و قد أکرمه الولید و وهبه الصلات (الآمدي، 59). و ورد في روایة أخری أن ابن سریج عندما غنی في مجلس الولید بشعر للأحوص، استدعی الخلیفةُ الشاعرَ من المدینة و ضمه إلی ندمائه، لکنه عندما الفتضح بعلاقته مع غلمان البلاط، اضطرب الخلفة کبیراً و أمر قاضي المدینة أبابکر بن حزم أن یجلده مائة جلدة (أبوالفرج، 1/ 299–302؛ الآمدي، ن. ص؛ الصفدي، 17/ 436). و قد وصف الشاعر في إحدی قصائده التي نظمها في مدح الولید بکثیر من المبالغة بوصفه إماماً دینیاً للناس معیناً من قبل الله (ص 245–249؛ قا: ضیف، 118).

و مع نهایة خلافة الولید و بدء حکم سلیمان بن عبدالملک (96–99هـ) بدأت فترة حرمان الأحوص خاصة و أن الخلیفة عیَّن عدوّه اللدود أبابکر ابن حزم حاکماً علی المدینة (96هـ). و کان بین ابن حزم و الأحوص عداء قدیم و قد اشتد الخلاف بینهما في السنوات الأخیرة من حکم الولید، و بحسب روایة فإن الأحوص کان هو السبب في عزله عن منصب حکم المدینة (یحتمل أن یکون منصب القضاء) (وکیع، 137–138؛ ابن رشیق، 1/ 64)؛ و الآن و ابن حزم یرید الانتقام، اغتنم، الفرصة و أخذ من الخلیفة الجدید أمراً بمعاقبة الأحوص و من ثم نفیه إلی جزیرة دهلک في البحر الأحمر. و بطبیعة الحال، فإن الروایات بشأن نفي الشاعر مضطربة جداً.

و استناداً إلی ابن سلام (ط شاکر، 2/ 656–657): لما کان الأحوص ینظم قصائد غزلیة بحق نساء علیة القوم و یسبب لهن الفضائح، فقد شکاه فریق من وجهاء المدینة لسلیمان بن عبدالملک (ظ: حسین، 1/ 569، الذي قال إن شکوی الناس کانت بتحریض من ابن حزم)، فأصدر الخلیفة أمراً لابن حزم بأن یجلد الشاعر و ینفیه إلی دهلک، و قیل إنه و إلی عصر یزید بن عبدالملک (حکـ 101–105هـ) مکث في المنفی (قا: أبوالفرج، 9/ 64–66؛ ابن شاکر، فوات، 2/ 218؛ أیضاً ظ: ابن قتیبة، 1/ 424–425، الذي اعتبر أن نفیه حدث علی عهد عمر بن عبدالعزیز و أن سببه هو الشذوذ الجنسي للشاعر؛ للاطلاع علی شتی الروایات الأخری التي وردت بهذا الشأن، ظ: الذهبي، تاریخ، 4/ 91، سیر...، 4/ 593؛ الصفدي، ن. ص؛ البغدادي، 2/ 18). و مع الأخذ بنظر الاعتبار روایة ابن سلام (ن. ص)، ینبغي أن یکون قد أمضی فترة حکم عمر بن عبدالعزیز (99–101هـ) بأکملها في المنفی؛ بینما وردت في المصادر روایتان علی الأقل عن لقائه بعمر بن عبدالعزیز.

یقول أبوالفرج (9/ 256–260): إن الأحوص ذهب مرة برفقة کثیر و نصیب إلی بلاط عمر بن عبدالعزیز الذي لم یکن یعبأ کثیراً بالشعراء، فلم یستقبلهم إلا بعد 4 أشهر من الانتظار و بوساطة من مسلمة بن عبدالملک، حیث أهدوه مدائحهم، لکنه لم یستقبلهم بحفاوة. و مع ذلک قدم لکل منهم صلة جزیلة (قا: ابن کثیر، 9/ 252–253).

و ورد في روایة أخری أن عمر بن عبدالعزیز لما تولی الخلافة کتب إلی والي المدینة لیرسل إلیه عمر بن أبي ربیعة و الأحوص لیعاقبهما علی فجورهما و علاقاتهما الغرامیة الماجنة. ولما أُحضرا إلی بلاطه أمر علی الفور بنفي الأحوص إلی دهلک، ولم تجد نفعاً وساطة الأنصار أیضاً (أبوالفرج، 9/ 64 - 66؛–الزجاج، 120). و بطبیعة الحال، فنحن نعلم أن عمر بن أبي ربیعة قد توفي – بحسب روایة – قبل خلافة عمر بن عبدالعزیز بست سنوات، أي في 93هـ. و مع هذا فإن البعض اعتبر نفي الأحوص علی ید عمر بن عبدالعزیز أکثر صحة (ظ: جمال، 54–55). کما نظم الأحوص قصائد في لوم عمر بن عبدالعزیز (ص 249–251؛ ابن قتیبة، 1/ 425). و تعود بعض القصائد التي امتدحه بها الشاعر إلی الفترة التي کان فیها حاکماً علی المدینة (86–93هـ)، و کانت له آنذاک علاقات حمیمة بعمر و کان ینعم بصلاته (ظ: أبوالفرج، 21/ 97).

ولاتزید المعلومات المتوفرة عن علاقة الشاعر بیزید بن عبدالملک عن روایات قلیلة، فجمیع المصادر تقریباً أکدت علی أن الأحوص قد أعید من منفاه في بدایة حکم عبدالملک. و استناداً إلی روایة أبي الفرج (9/ 67، 15/ 132–134)، حینما غنت جاریة شعراً للأحوص في مجلس یزید، أعجب هذا به کثیراً و أمر بجلب الشاعر من منفاه إلیه و منحه صلات جزیلة. و جاء في روایة أخری لابن شبة، أن یزید بن عبدالملک کتب إلی والي المدینة عبدالواحد بن عبدالله أن یرسل إلیه الأحوص و معبداً، المغني المعروف، و قد أمضی الأحوص فترة في بلاطه (م. ن، 21/ 108). ویبدو أن یزید بن عبدالملک کان آنذاک قد ترک الانغماس في اللهو و الملذات لفترة، إلا أنه عندما سمع أشعار الأحوص، عاقر مرة أخری الخمر و اللهو و المجون (م. ن، 15/ 132). و بحسب روایة ابن سلام فإن یزید بن عبدالملک عندما قتل یزید بن المهلب، طلب إلی الفرزدق و کثیر و الأحوص أن یهجوا ابن المهلب و أسرته، لکن أیاً منهم لم یوافق سوی الأحوص أن یهجوا ابن المهلب و أسرته، لکن أیاً منهم لم یوافق سوی الأحوص الذي نظم قصیدة في هجائهم. و عندما أرسل یزیدُ الشاعرَ سفیراً إلی الجراح بن عبدالله الحکمي والي آذربایجان، سجنه الجراح بسبب هذا الهجاء و عاقبه بشدة (ط شاکر، 2/ 658–659). و کانت للأحوص أشعار کثیرة في مدح یزید بن عبدالملک، و کما قال هو فقد نال منه صلات و افرة، حیث أخذ مرة 40 ألف درهم مقابل قصیدة مدح و أخذ ألف دینار مرة أخری (ص 123، الأبیات 31–33؛ أیضاً ظ: أبوالفرج، 15/ 129–130).

ویبدو أن حیاة الأحوص انتهت هي الأخری بنهایة حکم یزید (105هـ). و منذ هذا التاریخ لا یمکن أن نجد له أثراً في أي من المصادر، و قد أشیر في روایة للبلاذري فقط إلی أنه أدرک أیضاً خلافة هشام بن عبدالملک (105–125هـ) (جمال، 40، نقلاً عن البلاذری). و قد ذکر الصفدي (17/ 436) أن وفاته حدثت في حوالي 110هـ، بینما ذکر ابن شاکر في فوات الوفیات (2/ 218) أنها کانت في 105هـ وفي عیون التواریخ (4/ 262) في 107هـ.

و بشأن وفاته نقل السراج في مصارع العشاق (2/ 284) عن ابن الأعرابي قصة مأساویة هي أشبه بأسطورة منها بحقیقة، فقال: مرض الأحوص و هو في طریقه إلی الشام برفقه حبیبته بِشرة، ولما اشتد به المرض وضع رأسه في حجرها و أنشد أبیاتاً حزینة ثم لفظ أنفاسه، و بکت بشرة بدورها حزناً علی عاشقها حتی ماتت و دفنت هناک إلی جانب قبره.

والأحوص مدین لغزله بکل شهرته، ففي ذلک العصر کانت الحجاز قد أصبحت و بفضل عمربن أبي ربیعة أول موطن نشأ به الغزل العربي، و انفصل الغزل عن نسیب القصائد و أصبح بشکل مدرسة جدیدة ذات طابع جدید و مصطلحات أکثر رقة، و أصبح یمتزج بالألحان الجمیلة الغذبة علی أیدي المغنّین و کان یمنح مجالس الشعر و الموسیقي في مکة و المدینة ازدهاراً. لذلک کان الأحوص ینظم أغلب غزله في أوزان قصیرة منغّمة لتکون أکثر انسجاماً مع الموسیقی و الغناء (قا: سعد، 302–304). و کانت له صداقة حمیمة مع المغنین و الموسیقیین آنذاک مثل ابن سریج و معبد، و هؤلاء هم الذین جعلوا الألسن تلهج بأشعاره و خلّأوا اسمه (ظ: ابن عبدربه، 4/ 455؛ أبوالفرج، 1/ 297–302، 21/ 108–109؛ فاده، 115؛ سعد، 108).

و الأساطیر التي حیکت حول غزل الأحوص هي من نفس نوع الحکایات التي وردت بشأن حیاة عمر بن أبي ربیعة: التشبیب دائماً بإمرأة من شهیرات الحجاز (سواء أکانت مغنیة، أو من أشراف قریش) صادفت الشاعر مرة في الطریق أحیاناً ضمن واقعة و اختطفت قلبه.

ولدینا الکثیر من أسماء هؤلاء النساء الشهیرات لکن لیس مستبعداً أن یکون بعضهن من بنات أفکار الشاعر، ویبدو أن شهرة الحبیبة کانت تحظی باهتمام الشاعر أکثر من اهتمامه بالحب الحقیقي. و کان ادعاء الوقوع في غرام بنات الأشراف تقلیداً سنّه عمر، وها هو یتواصل في شعر الأحوص. و قصته مع أم جعفر لها دلالات کثیرة في هذا الشأن. حدث یوماً أن أم جعفر ابنة عبدالله بن عرفطة التي کانت قد ضاقت ذرعاً بغزل الأحوص فیها، اعترضت طریقه و ادّعت أنه مدین لها، فعجب الأحوص الذي لم یکن قد اقترض مالاً من هذه المرأة کما لم‌یکن یعرفها. فقالت أم جعفر کیف تتغزل فیمن لاتعرفها؟ و بذلک أثبتت أم جعفر للجمیع أن تغزل الأحوص بها لیس إلا هراء شاعر محلّق في الخیال (الزجاج، 120–122؛ أبوالفرج، 6/ 258).

و استناداً إلی الروایات فإن تصرفات الأحوص في حالات أخری أیضاً لا تختلف کثیراً عن تصرفات عمرف فقد کان یکمن أیضاً قرب خیام الأشراف و ینظم الشعر و یرتدي الثیاب الأنیقة و یتجول في مرابع أطراف المدینة، خاصة في العقیق الذي کان متنزه نساء الأشراف بهندام حسن ممتطیاً صهوة الجیاد الأصیلة و یختار من بین النساء الکثیرات اللواتي کنّ یوجّهن له الدعوات بلهفة لضیافتهن، أکثر هنّ جمالاً، فیشار کهن مجالس الطعام و الشراب (م. ن، 1/ 456–360). و کانت أغلب حکایاته الغرامیة مع مغنیات مثل جمیلة و الذَّلفاء و عقیلة و عبلة و سلامة و حبابة ممن کنّ عشیقات معروفات لبقیة شعراء الغزل (ظ: آذرنوش، 143). و کانت جمیلة من شهیرات المغنیات في المدینة، تعلم الغناء علیها أشهر المغنین في العصر الأموي مثل معبد، و قد دأب الأحوص الذي أعزم بها کثیراً و کان یمضي أغلب الأوقات عندها، علی أن ینظم بحقها القصائد الغرامیة، فتغنیها جمیلة ملحَّنةً. و رغم هذا فیبدو أن هذا الحب کان من جانب واحد، إذ لم یستطع الشاعر علی أن یوقع الحبیبة في حبائله. ولم یبق من قصائده بحق جمیلة سوی أبیات قلیلة (4 أبیات) (ص 206؛ سعد، 226–228). و مع کل هذا، یبدو أن حبه لسلامة المغنیة کان أکثر لوعةً. فصوت سلامة الفاتن و سحر نغمات عودها لم یوقعا قلب الأحوص بالحب المفعم باللوعة فحسب، بل اختطفا قلب زاهد کعبدالرحمان الجشمي أیضاً. و قد نظم الأحوص الکثیر من قصائد الحب لسلامة أبدی فیها عشقه و هیامه. ولم تحمل الحبیبة في البدء رسائله الغرامیة علی محمل الجد إلی أن غنّت یوماً إحدی قصائده الغزلیة بصوتها الفاتن في مجلس ابن قیس الرقیات، فادرک الشاعران الحبیب قد استولی علیه الوجد. و منذ ذلک الحین تزایدت لقاءات الاثنین؛ لکن لما بلغت شهرة سلامة مسامع الخلیفة، یزید بن عبدالملک، أمر بشرائها، فأخذت إلیه. أما الأحوص الذي لم یکن یطیق فراق الحبیبة فقد هرع إلی بلاد الشام و التقی سراً بالجاریة. ولما علم الخلیفة بسر الاثنین وهب سلامة للأحوص الذي عاد بها إلی الحجاز (أبوالفرج، 8/ 344، 343، أیضاً ظ: 9/ 134–136، حیث خلط بین یزید بن معاویة و یزید بن عبدالملک؛ سعد، 232–236). ویبدو أن هذه الواقعة التي لاشک في الختلاقها أدت بالوشّاء (ص 133) إلی أن یضع الأحوص و سلامة في قائمة عشاق العرب المعروفین أمثال مجنون و لیلی و جمیل و بثینة. و کانت علاقات الغرام هذه کثیرة في حیاة الأحوص، و قیل إنه تغزل فیما یربو علی 30 امرأة من نساء المدینة (سعد، 216–217).

و مهما یکن فإنه ینبغي اعتبار الأحوص أعظم شعراء الغزل في العصر الأموي بعد عمر بن أبي ربیعة. و قد نظم – في سبیل خلق اللقاءات الغرامیة و الحوارات التي تتم بشکل سري و ثنائي بین العاشق و حبیبته – أغلب قصائده الغزلیة في قالب قصص غرامیة، ولم یتخلف في هذا المضمار عن سلفه عمر بن أبي ربیعة (م. ن، 298–299). و إن الاختلاف بین هذا الأسلوب الجدید في الغزل و أسلوبه في المدیح الذي ظل أسیر الإطار التقلیدي للقصیدة، یمکنه أن یکون مفیداً للباحثین في دراسة التطورات الحادثة في الشعر الأموي.

لم یبق للأحوص دیوان، غیر أن الباحثین المعاصرین جمعوا أشعاره مرتین و طبعوها: الأولی عندما صدر شعر الأحوص الأنصاري بتحقیق إبراهیم السامرائي (النجف، 1389هـ/ 1969)، و الثانیة عندما جمعه عادل سلیمان جمال و طبعه بنفس العنوان المذکور آنفاً (القاهرة، 1390هـ/ 1970م، و طبعه طبعة ثانیة مع زیادات و تنفیح في 1411هـ/ 1990م). کما ألف محمدعلي سعد کتاباً بعنوان الأحوص بن محمد الأنصاري انبری فیه لدراسة حیاة الأحوص و شعره. و من بین المستشرقین قام المستشرق التشیکي، پتراتشک بدراسات وافیة عن حیاته و شعره.

 

المصادر

آذرنوش، آذرتاش، «نگاهي به اجتماع أشرافي حجاز» [نظرة علی الطبقة الأرستقراطیة في الحجاز]، مقالات و بررسیها، طهران، 1350ش؛ الآمدي، الحسن، المؤتلف و المختلف، تقـ: عبدالستار أحمد فراج، القاهرة، 1381هـ/ 1961م؛ ابن درید، محمد، الاشتقاق، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1378هـ/ 1958م؛ ابن رشیق، الحسن، العمدة، تقـ: محمد محیي‌الدین عبدالحمید، بیروت، 1972م؛ ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، بیروت، دار صادر؛ ابن سلام الجمحي، محمد، طبقات (فحول) الشعراء، تقـ: یوزف هل، بیروت، 1402هـ/ 1982م؛ م. ن، م، تقـ: محمود محمد شاکر، القاهرة، 1394هـ/ 1974م؛ ابن شاکر الکتبي، محمد، عیون التواریخ، النسخة المصورة الموجودة في مکتبة المرکز؛ م. ن، فوات الوفیات، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1974م؛ ابن عبدالبر، یوسف، الاستیعاب، تقـ: علي محمد البجاوي، القاهرة، 1380هـ/ 1960م؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفرید، تقـ: أحمد أمین و آخرون، بیروت، 1402هـ/ 1983م؛ ابن قتیبة، عبدالله، الشعر و الشعراء، تقـ: محمد یوسف نجم و إحسان عباس، بیروت، 1964م؛ ابن کثیر، البدایة؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة دارالکتب؛ الأحوص، عبدالله، شعر الأحوص الأنصاري، تقـ: عادل سلیمان جمال، القاهرة، 1411هـ/ 1990م؛ الأصمعي، عبدالملک، فحولة الشعراء، تقـ: ش. توري، بیروت، 1400هـ/ 1980م؛ البغدادي، عبدالقادر، خزانة الأدب، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، مکتبة الخانجي؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1400هـ/ 1979م؛ بلاشیر، ریجیس، تاریخ الأدب العربي، تجـ: إبراهیم الکیلاني، دمشق، 1404هـ/ 1984م؛ جمال، عادل سلیمان، مقدمة شعر الأحوص الأنصاري (ظ: همـ، الأحوص)؛ حسین، طه، من تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1981م؛ الذهبي، محمد، تاریخ الإسلام، القاهرة، 1369هـ؛ م. ن، سیر أعلام النبلاء تقـ: شعیب الأنؤوط و مأمون الصاغرجي، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ الزجاج، عبدالرحمان، الأمالي، بیروت، 1403هـ؛ السراج القاري، جعفر، مصارع العشاق، بیروت، دار صادر؛ سعد، محمدعلي، الأحوص بن محمد الأنصاري، حیاته و شعره، بیروت، 1402هـ/ 1982م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: دوروثیا کرافولسکي، بیروت، 1402هـ/ 1982م؛ ضیف، شوقي، الشعر و الغناء في المدینة و مکة، القاهرة، 1979م؛ الطبري، تاریخ؛ فاده، جان‌کلود، حدیث عشق در شرق، تجـ: جواد حدیدي، طهران، 1372ش؛ الوشاء، محمد، الظرف و الظرفاء، تقـ: فهیمي سعد، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ وکیع، محمد، أخبار القضاة، تقـ: عبدالعزیز مصطفی المراغي، القاهرة، 1366هـ/ 1947م؛ الیماني، یوسف، نسمة السحر، النسخة المصورة الموجودة في مکتبة المرکز.

عنایت‌الله فاتحي‌نژاد/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: