أحمد، من أشهر اسماء نبی الاسلام
cgietitle
1443/2/10 ۲۱:۱۹:۴۲
https://cgie.org.ir/ar/article/235972
1446/9/4 ۰۷:۱۵:۵۷
نشرت
5
أَحْمَد، من أشهر أسماء نبي الإسلام (ص) الذي ذکر في القرآن الکریم أیضاً. و حکم هذه الکلمة نحویاً أنها علی صیغة أفعل التفضیل و من الأصل الثلاثي «ح م د»، ویستفاد منها مفهوم صیغة التفضیل المطلق من «محمود»، أو «حامد». ورغم أن الاحتمال الثاني لصیغة أفعل التفضیل في الصرف العربي هي المرجحة من ناحیة القواعد المتعلقة بصیغة أفعل التفضی لو خاصة من وجهة نظر البصریین، إلا أن القول الأول حظي بقبول خاص دائماً بین العلماء الذین نظروا إلی هذه المسألة بعیداً عن القواعد الصرفیة (ظ: ابن قیم، «زاد المعاد»، 1/ 69 و مابعدها). و مع ذلک فإن بعض المتقدمین رجحوا معنی الحامد علی المحمود، ولکن لیس استناداً إلی القواعد الصرفیة، بل إلی النصوص الروائیة، مثل مایقال في النبي (ص): إنه یفتح علیه في یوم القیامة من المحامد مالم یُعط غیره (ظ: القاضي عیاض، 1/ 312-313؛ السهیلي، 2/ 153؛ الملاعلي القاري، 2/ 181-182).
وفیما یتلعق بالترکیب الصرفي لکلمة «أحمد» هناک أیضاً بعض الأقوال غیر المشهورة: فرأی البعض أن اشتقاقها من المصدر حَمد یشبه اشتقاق الأحمر من الحمرة دون الأخذ بنظر الاعتبار شروط علماء النحو لمثل هذا الاشتقاق، وفي الحقیقة فقد اعتبروها نوعاً من الصفة المشبهة (ظ: الإربلي، 1/ 7)،ویبدو أن البعض کانوا یعتبرونها علماً منقولاً من الفعل المضارع، کما هو الحال في بعض الأسماء العربیة القدیمة (مثلاً ظ: القرطبي، 18/ 83، مع إشارة عابرة)، إلا أن أیاً من هذین الرأیین لم یحظ بالاعتبار.
و قد استعملت کلمة «أحمد» في أحد المواضع من القرآن الکریم لتسمیة النبي (ص) الصف/ 61/ 6)؛ عندما بشّر الله علی لسان عیسی (ع) بمجيء نبي من بعده. واشتقاق کلمة «أحمد» واضح من ناحیة القواعد، ویمکنها أن تکون جنباً إلی «محمد»، الاسم الأصلي للنبي (ص) بالإضافة إلی علمیتها من حیث الاشتقاق أن تقدم صورة حسنة لشخصیة النبي (ص) الروحیة، کل ذلک أدی إلی أن ینظر إلی علمیة هذه الأسماء بشکل نسبي، إلی درجة أن هذا الأمر تم بیانه أحیاناً بوضوح علی شکل نظریة. و علی سبیل المثال فقد صرح ابن قیم الجوزیة أن جمیع أسماء النبي (ص) لیست أعلاماً محضة لمجرد تمییز المسمی، بل هي صیغ وصفیة و أسماء مشتقة توجب الثناء و الکمال لمسمیاتها (ظ: ن.م، 1/ 66). ورغم أننا لانجد في المؤلفات القدیمة نموذجاً صریحاً لمثل هذه الآراء، لکن کانت توجد من الناحیة العملیة وجهة نظر مشابهة بین المسلمین في العصور السابقة.
وفیما یتعلق بعلمیة اسم أحمد یجب القولک إن الکتّاب کلما أرادوا أن یذکروا لنبي الإسلام أسماء أخری غیرمحمد، فإنهم کانوا دوماً یذکرون اسم أحمد في الدرجة الأولی. و یعد حدیث جبیر بن مطعم نقلاً عن النبي (ص) أشهر نص روائي في هذا المجال، حیث ذکرت فیه 5 أسماء للنبي (ص) وفي مقدمتها محمد وأحمد. وإذا ماألقینا نظرة علی أسانید الروایة، لرأینا أن هذا الحدیث اشتهر من طریق روایة الزهري عن محمد ابن جبیر عن جبر بن مطعم (ظ: البخاري، 2/ 270، 3/ 201؛ مسلم، 1828؛ الترمذي، سنن، 5/ 135)؛ ولکن روي مایشبه هذا المضمون مع اختلاف طفیف عن طریق جعفر بن أبي وحشیة، وعتبة بن مسلم عن نافع الابن الآخر لجبیر بن مطعم عن أبیه (ابن سعد، 1(1)/ 65؛ الحاکم، 2/ 604؛ البیهقي، 1/ 155)، وکذلک عن طریق سلسلة سند الأعمش والسمعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبیدة عن أبي موسی الأشعري عن النبي (ص) (مسلم، 1818-1829؛ أحمدبن حنبل، 4/ 395، 404، 407؛ ابن سعد، الحاکم، ن.صص؛ البیهقي، 1/ 156-157). و عن طریق سلسلة سند حماد بن سلمة عن عاصم عن زرّ بن حبیش عن حذیفة، أو سلسلة أسانید أبي بکر بن عیاش عن عاصم عن أبي وائل عن حذیفة عن النبي (ص) (أحمد بن حنبل، 5/ 405؛ الترمذي، الشمائل، 211-212؛ ابن سعد، ن.ص). واستناداً إلی هذه الأسانید یمکن الاستنتاج بأن الصحابة کانوا ینقلون مضمون الحدیث المذکور في النصف الأول من القرن 1هـ، ولکن الروایات تتجاوز حالة نقل الفرد، وذلک اعتباراً من الأجیال الأولی للقرن 2هـ، فقد انتشرت علی مستوی أوسع. وإلی جانب هذه الروایات تجب الإشارة إلی النصوص الشعریة المتبقیة من شعراء العقود الدولی من القرن 1 هـ مثل حسان بن ثابت (ظ: دیوان حسان، 1/ 270)، وابن الزبعری (ابن طیفور، 53)، وامرئ القیس الکندي (ابن حبیب، 186)، وکعب بن مالک (م.ن، 272)، حیث سمي فیها النبي (ص) «أحمد» (عن بعض الأبیات المنسوبة إلی عبدالمطلب وأبي طالب في نفس هذا المضمون، ظ: السهیلي، 2/ 157؛ دیوان أبي طالب، 12، 13، 19، مخـ). و استناداً إلی مجمل ماذکر فعینا الإذعان علی مایبدو إلی تلقي وجود أکثر من اسم للنبي (ص) وخاصة أحمد کان موجوداً منذ منتصف القرن الأول الهجري، علماً بأن ذلک لیس مستبعداً إذا أخذنا بعین الاعتبار المفهوم الظاهر من عبارة «اسمه أحمد» القرآنیة.
ورغم أن هذا التلقي یلاحظ بین بعض علماء القرون الوسطی في تاریخ الإسلام مقروناً بتأکید خاص علی عدم وجود شخص قبل النبي (ص) سمي باسم أحمد، حیث اعتبر ذلک دالاً علی حکمة الله کي لایختلط أحد مع أحمد الذي بشر به عیسی (ع) (مثلاً ظ: القاضي عیاض، 1/ 313)، ولکن هناک أمثلة متفرقة تدل علی تداول هذا الاسم بین العرب قبل الإسلام و التي یجب أن تصنف علی درجات مختلفة من حیث صحة الضبط ودقته، عبارة عن: أبي عمرو أحمد بن حفص بن المغیرة المخزومي (فقط في روایة أبي هشام المخزومي، ظ: ابن الأثیر، علي، 1/ 53؛ قا: ابن حجر، الإصابة...، 4/ 139)، وأحمد بن غُجیان، وأحمد بن ثمامة الطائي، وأحمد بن دومان، وأحمد بن زید (ظ: الزرقاني، 3/ 158؛ أیضاً ابن حجر، ن.م، 1/ 22). وکذلک قبائل تسمی بـ «بني أحمد» بین قبائل همدان و طيء و غیرهما (الزرقاني، ن.ص)، وقصورة کنیة فیما یتعلق بأبي أحمد عبد بن جحش (ابن سعد، 3(1)/ 62،مخـ؛ ابن الأثیر، علي، 5/ 133؛ أیضاً ظ: وات، 111 ومابعدها). ویجدر ذکره أیضاً أن هناک دسماء شبیهة بأحمد شوهدت علی الألواح الحجریة المکتوبة والمکتشفة في الصفا بشمال الجزیرة العربیة، و هي کما یری الباحثون صورة مختصرظ للأسماء المرکبة مع اسم اللّه (ظ: EI2).
وعلی الرغم من هذه الخلفیة، و استعمال أحمد کاسم للنبي (ص)، فإن اسم أحمد لم یکن قد شاع بعد حتی العقود الأخیرة من القرن 1هـ خلافاً للأسماء المشترکة في مادته کمحمد و محمود و حمید (أو حُمَید) (عن تداول هذه الأسماء للمقارنة، ظ: وات، 115-117).
وقد ذکر الواقدي نموذجاً عن التسمیة بأحمد في النصف الأول من القرن 1هـ و هي روایة مشکوکة لایمکن الرکون إلیها، إذ تشیر إلی أن رابع أبناء جعفر بن أبي طالب من أسماء بنت عمیس سمي أحمد (ظ: ابن حجر، ن.م، 1/ 97، لسان ...،4/ 122)، في حین أن غالبیة المصادر لم تشر إلا إلی ثلاثة أبناء لهما هم: عبداللّه، وعون، ومحمد (مثلاً ظ: ابن سعد، 4(1)/ 22-23؛ ابن الأثیر، علي، 5/ 395؛ قا: ابن عنبة، 36، الذي بلغ بأسماء أبناء هذین الزوجین إلی 8 أفراد لیس فیهم اسم أحمد).
وما یمکن أن نقره علی وجه التأکید أن أحمد بن عمرو بن تمیم والد الخلیل، الأدیب البصري المعروف (تـ 170هـ/ 876م) هو أول من سمي أحمد في الإسلام. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الخلیل ، توفي عن 74 عاماً (ظ: ابن الندیم، 48؛ النووي، 1(1)/ 178)، وأن ولادته کانت علی هذا الأساس حوالي سنة 96هـ/ 715م، فإن تسمیة والده لابد و أن تعود علی الأرجح إلی الربع الثالث من القرن 1هـ. وهناک شخص آخر باسم «أحمد بن حمویة» - الذي اعتبر من أصحاب الإمام علي بن الحسین (ع) (تـ 95هـ/ 714م) (الشیخ الطوسي، 84) – علینا أن نضعه – إذا ما کانت الروایة موثوقة – إلی جانب أحمد والد الخلیل، کما یمکننا أن نذکر بعده بفترة قلیلة شخصاً آخر باسم «أحمد بن محمد الحضرميي» الذي اعتبر من جملة أصحاب الإمام الباقر (ع) (تـ 114هـ/ 732م) (ظ: البرقي، 10؛ قا: ماقاله وات، 111؛ وأیضاً شاخت في EI2 تبعاً له والذي عد بدایة التسمیة بأحمد منذ حوالي سنة 125هـ/ 743م). ویلاحظ التأکید علی شخصیة والد الخلیل باعتباره أول شخص سمي أحمد في العصر الإسلامي في المصادر الإسلامیة القدیمة (مثلاً ظ: ابن الندیم، ن.ص)، ویطالعنا أحیاناً اتفاق في الرأي في هذا المجال (ظ: ابن حجر، ن.ص). وهذه التذکیرات تعد بحد ذاتها تأییداً لهذه الملاحظة التاریخیة و هي أن المؤلفین المسلمین لم یکونوا یمتلکون حتی في العصور القدیمة وثائق تدل علی أن أبناء المسلمین کانوا یتسمون بأحمد في النصف الأول من القرن 1هـ.
وقد تصور بعض الباحثین المعاصرین، آخذین بنظر الاعتبار تأخر التسمیة بأحد بین المسلمین وبعض الاستدلالات الأخری،أن کلمة «أحمد» في القرآن الکریم یجب أن لاتعتبر علماً بل صفة، وأن استنتاج العلمیة من هذه الکلمة بدأ عندما اعتبر النبي الأعظم (ص) نفس شخصیة «الفار قلیط» الذي بشربه الإنجیل (ظ: وات، EI2; 113؛ عن ارتباط الموضوع بالفار قلیط، ظ: السطور التالیة) ورغم أن هناک مجالاً للمناقشة حول أسس الاستدلال علی هذا الرأي، إلا أن هناک خلف هذه النقاشات حقیقة لایمکن إنکارها و هي أن مجرد استخدام کلمة «أحمد» للنبي (ص) في القرآن الکریم حتی علی مستوی الصفة، وکذلک خلفیة هذا الاسم بین الأعراب من شأنهما أن یوجدا الدافع الکافي للمسلمین للتسمیة بأحمد؛ و لذلک فإذا کانت هناک فترة أفرادها التاریخ في التسمیة بأحمد بین المسلمین – في نفس فترة الانتقال من الدین القدیم إلی الإسلام بالضبط – فإننا یجب أن نبحث عن السبب في التصورات الإسلامیة الأولی بشأن تلک التسمیة. ویمکننا أن نطرح هذا الاحتمال – دون أن تکون هناک معلومات خاصة – و هو أن مسلمي صدر الإسلام کانوا یتجنبون تسمیة أبنائهم بأحمد، کما کانوا یتجنبون التکني بأبي القاسم کنیة النبي (ص) (البخاري، 2/ 14، مخـ؛ مسلم،1682-1684)، أو الجمع علی الأقل بین اسم محمد و کنیة أبي القاسم (ظ: أبو داود، 4/ 292؛ الترمذي، سنن، 5/ 136-137؛ الکلیني، 6/ 21)، وإن أعرضوا عن هذا التجنب، وشیوع التسمیة بأحمد، بل و حتی طرح استحباب هذا الاسم (مثلاً ظ: الکلیني، 6/ 19؛ الزرقاني، 5/ 301) لیس أکثر غرابة من أن تجنب الجمع بین محمد و کنیة أبي القاسم کان یتم الإعراض عنه أحیاناً في عصر الصحابة (کأمثلة، ظ: ابن حجر، الإصابة، 3/ 509).
وفیما یتعلق بعلمیة اسم أحمد للنبي (ص) علینا أن نذکر الروایات التي تحدثت عن هذه التسمیة أعلی لسان أحد کبار الأسرة النبویة عند ولادته (ص). فاستناداً إلی روایة الإمام الباقر (ع)، فقد نودیت آمنة أم النبي (ص) أثناء حملها أن تسمي ابنها أحمد (ظ: ابن سعد، 1(1)/ 661، 64؛ قا: ابن هشام، 1/ 145، الذي ورد فیه «محمد»)؛ کما جاء في روایة شیعیة أن أبا طالب عم النبي (ص) هو الذي سماه بعد تسعة أیام من ولادته بأحمد بسبب ثناء أهل السماء والأرض علیه (الکلیني، 6/ 34). وعلی أیة حال، فإن بعض کتاب السیرة رأوا في معرض مقارنتهم بین اسم أحمد ومحمد من ناحیة التقدم الزمني أن تسمیة النبي (ص) بأحمد کانت قبل تسمیته بمحمد، و عاوا بتسمیة النبي (ص) بأحمد إلی عصر عیسی (ع) من خلال ربط اسم أحمد بموضوع البشارة (ظ: السهیلي، 2/ 153)، في حین تری جماعة أخری أن تسمیته بأحمد محدودة من ناحیة الزمان بین تسمیته بمحمد في التوراة، و تسمیته بهذا السم في فترة حیاته (ظ: ابن قیم، جلاء...، 98 و ما بعدها).
وبتجاوز النظرة التاریخیة، و العودة إلی قضیة علمیة أسماء النبي (ص) عند المسلمین نسبیةً، وعدم نسیان المفهوم الوصفي في هذه الأسماء،علینا أن نذکر أن الروایات الإسلامیة أکدت أحیاناً المفهوم التفضیلي لأحمد في معرض المقارنة بین الاسمین أحمد و محمد. واستناداً إلی روایة عن النبي (ص) فقد سمي محمداً کونه محموداً في الأرض، وسمي أحمد کونه محموداً أکثر في السماء (ظ: القمي، 2/ 365؛ عن الروایات المشابهة، ظ: الکلیني، ن.ص؛ ابن بابویه، علل...، 1/ 127-128،معاني...،51-52؛ الاختصاص، 34). وبتجلی مظهر آخر لمفهوم التفضیل في اسم أحمد، في حدیث عن النبي (ص) بروایة علي (ع) وأبي بن کعب، ذکرت فیه التسمیة بأحمد في عداد خمس صفات فضل بها النبي (ص) علی الأنبیاء السابقین (ظ: أحمد بن حنبل، 1/ 98، 158؛ السیوطي، الدر..، 6/ 214؛ قا: البخاري، 1/ 70، مخـ؛ مع الروایات المشابهة عن طریق ابن عباس و جابر و أبي هریرة، والتي استبدلت فیها التسمیة بأحمد مع فقرة أخری؛ مسلم، 370-372؛ ابن بابویه، الخصال، 1/ 292).
ویجدر ذکره أن اسمي أحمد و محمد کان یُنْظَر إلیهما باعتبارهما الاسمین الوحیدین و الأصلیین للنبي (ص). وکمثال قدیم تجب الإشارة إلی روایة عن علي (ع)، سمي استناداً إلیها خمسة من الأنبیاء باسمین، وکان آخرهم، أي نبینا (ص) یحمل اسمي محمد و أحمد (ظ: ابن بابویه، عیون...، 1/ 192؛ أیضاً البیهقي، 1/ 159، نقلاً عن الخلیل بن أحمد).
یشیر النموذج الوحید لاستعمال اسم «أحمد» في القرآن الکریم إلی وجود العلاقة بین هذا السم و موضوع البشارة؛ عندما بشر الله تعالی علی لسان عیسی (ع) بمجيء نبي الإسلام حیث یقول: «...إنّي رسول اللَّه إلیکم مصدّقاً لما بین یديّ من التوراة و مبشّراً برسول یأتي من بعدي اسمه أحمد ...» (الصَّف/ 61/ 6).
وهذه البشارة الصریحة التي جاءت علی لسان عیسی (ع) في القرآن الکریم دفعت العلماء المسلمین منذ صدر الإسلام لیبحثوا في کتب العهد الجدید عن علامات لاسم أحمد. وقد کان الأمر یصل في بعض الأحیان إلی حد بحیث إنهم کانوا یتحدثون بشکل عابر عن ذکر اسم «أحمد» لنبي الإسلام في الإنجیل، و أهم مثال علی ذلک، عدد من الاحادیث المنقولة عن النبي (ص) من طریق صحابیین مثل ابن عباس و جابر، ذکر استناداً إلیها اسم النبي (ص) في القرآن علی أنه «محمد»، وفي الإنجیل علی أنه «أحمد»، و في التوراة «أحید» (ظ: ابن بابویه، معاني، 51؛ السیوطي، الخصائص...، 1/ 133).
وکانت الجهود تترکز أحیاناً علی أن تقدم العبارة المشتملة علی «البشارة بأحمد» بحذافیرها، وباللغة العربیة طبعاً. وعلی سبیل المثال فقد نقلت في الروایات الطویلة التي وصلتنا عن قضیة «المباهلة» (ن.ع) عبارات تشتمل علی «البشارة بأحمد» علی لسان العلماء المسیحیین النجرانیین من «المفتاح (المصباح في بعض النسخ) الرابع من الإنجیل» (ربما إشارة إلی النص الرابع من العهد الجدید، إنجیل یوحنا) (ظ: الاختصاص، 112-113؛ ابن طاووس، سعد...، 91 و ما بعدها، روایة عبدالرزاق؛ أیضاً م.ن، إقبال...، 509، روایة أبي المفضل وأبن أشناس) و یحتمل أن تکون هذه الروایات مرتبطة بـ «البشارة بالفار قلیط» في «إنجیل یوحنا» (ظ: السطور التلایة)، ولکن النصوص المنقولة فیها لاتتواءم تماماً علی أیة حال مع نصوص البشارة المتعلقة بالفارقلیط.
کماکان هناک في القرن 1هـ شخص حدیث عهد بالإسلام یدعی سهل المریسي مولی عثیمة کان هو نفسه «قارئاً للإنجیل» یقول – استناداً إلی روایة عن ابن سعد – إنه کان قد وجد عند عمه «مصحفاً» (کتاباً مقدساً ذکر فیه نبي الإسلام، ووصف بأنه «من ذریة إسماعیل واسمه أحمد» (ظ: 1(1)/ 64، 1(2)/ 89). ویمکننا مقارنة البشارة المنقولة في هذه الروایة مع استنتاج إسلامي من موضع في سفر التکوین (17: 20) یفید بـ «البشارة بمادماد»؛ وهنا نوضح أن ترکیباً بصورة «بِمْأَدْمْاُد» استعمل في سیاق الحدیث عن إسماعیل بن إبراهیم (ع) في الموضع المذکور من الأصل العبري «للکتاب المقدس» (سفر التکوین، 17: 20)، وقد ترجم في الترجمات المتداولة للعهد العتیق بمعنی «الکثیر جداً»، أو مایعادله في اللغات الأخری (کمثال عن الترجمات العربیة القدیمة مع عبارات مشابهة، ظ: ابن قیم، جلاء، 99 و مابعدها؛ ابن کثیر، 113-114). وفي حین أن بعض العلماء المسلمین اعتبر «مادماد» إشارة إلی «محمد»، ورأی أن هذه الکلمة (قرئت أحیاناً مود مود، أو میدمید، بالدال أو الذال في جمیع الحالات) هي أحد أسماء النبي (ص) في بعض الکتب السماویة (ظ: ابن شهرآشوب، 1/ 152؛ الطبرسي، 8؛ ابن قیم، ن.ص؛ الکازروني، 140؛ ابن کثیر، السوطي، ن.صص). ولعل العبارة التي یقصدها سهل المریي هي نفس عبارة سفر التکوین، لا الإنجیل مع ترجمة «مادماد» إلی أحمد.
وقد کان موضوع البشارة بأحمد یتجاوز أحیاناً في بعض الروایات تعالیم عیسی (ع)، أي الموضع المنصوص علیه في القرآن، لیشمل الکتب السماویة و تعالیم الأنبیاء السابقین. وقد کانت توجد بین المسلمین في القرن 1هـ بشارة مشهورة نقلاً عن التوراة لایمکن مطابقتها مع النص المعروف للعهد العتیق، و قد کانت تبدأ بشکل عام في صورتها العربیة بالعبارة التالیة«عبدي المختار لیس بفظ ولا غلیظ». وهذا «العبد المختار» المبشربه سمي في بعض الروایات بأحمد (ظ: الراوندي 1/ 79-80؛ «ألقاب الرسول...»، 6-7)، في حین أن اسم محمد ذکر في غالبیة أنواع هذه البشارة (مثلاً ظ: ابن سعد، 1(2)/ 87-89؛ ابن شبة، 2/ 634-635؛ عن البشارات الأخری بأحمد في کلام موسی (ع)، ظ: السهیلي، 2/ 153؛ الإربلي، 1/ 7؛ السیوطي، الخصائص، 1/ 133).
کما جاءت في روایة عن وهب بن منبّه البشارة بالنبي (ص) بعنوان «أحمد» عن زیور داود (ع) (ابن عساکر، 1/ 530)، و عن سفر أشعیا (أبوحاتم، 197) في بعض الروایات. و أخیراً یجب أن نذکر «البشارة بأحمد» المنسوبة إلی النبي حبقوق، حیث یمکن مقارنتها مع موضوع من المتن الحاضر لسفر حبقوق. و قد جاء في نص بروایة النوفلي عن الإمام الرضا (ع) یعود إلی القرن 3هـ/ 9 م نقلاً عن حبقوق: «جاءاللّه بالتبیان من جبل فاران و امتلأت السماوات من تسبیح أحمد و أمته...» (ظ: ابن بابویه، عیون، 1/ 134؛ الراوندي، 1/ 75؛ قا: ابن ربن، 169؛ أبوحاتم، ن.ص؛ الکراجکي، 91؛ المصدر الأخیر نقلاً عن دانیال الذي ورد فیه اسم «محمد»). وجاء في سفر حبقوق (3: 3): «الله جاء من تیمان والقدوس من جبل فاران، سلاه، جلاله غطّی السماوات والأرض امتلأت من تسبیحه» و کلمة «جلاله» المترجمة هي «هووو» في الأصل العبري. إن اجتماع الروایات العدیدة والمختلفة حول البشارة بأحمد في کتابات و تعالیم أهل الکتاب في طبقات ابن سعد (1(1)/ 103-107) یدل علی الاهتمام الخاص و الواسع للعلماء المسلمین في القرن 2 و ربما في القرن 1 هـ بالعثور علی إشارة إلی «البشارة بأحمد» في المصادر الدینیة للقدامی.
وفي الختام، علینا أن نشیر إلی البشارات الموجودة في إنجیل یوحنا (14: 16، 26؛ 15: 26؛ 16: 7) بإرسال «الفارقلیط» في زمان بعد عیسی المسیح (أیضاً ذکرها في بعض متون أپوکریف، أو الآثار المسیحیة القدیمة الأخری، مثل: «دعاء بولس الرسول»، 28؛ «رسالة العزاء» لیعقوب السورجي، 388) وقد رُبط أحیاناً بموضوع البشارة بأحمد. وکلمة «الفارقلیط» (أو البارقلیط) هي الشکل المعرب لکلمة پاراکلتوس الیونانیة و تعني المدافع، أو الوکیل، أو الشفیع، أو الوسیط (ظ: لیدل، 1313؛ مولر، 519)، وقد فُسّرت حسب المفهوم الکنسي بمعنی «المعزّي» (عن سابقة هذا التفسیر في الترجمات العربیة، ظ: ابن قیم، هدایة...، 84؛ في الترجمات السریانیة والقبطیة، ظ: غاثري، 253؛ کروم، 333؛ أیضاً ظ: لیدل، ن.ص).
کان العلماء المسلمون یشیرون أحیاناً خلال القرون المتعاقبة إلی أن پاراکلتوس هي في الحقیقة قراءة محرفة لکلمة پریکلوتوس في الیونانیة، رغم أن تعبیراتهم عن هذا التلقي لاتمتاز بالدقة اللغویة اللازمة (للتوضیح؛ ظ: وات، 113-114). وکلمة پریکلوتوس التي تعني في اللغة الشریف والمشهورو الممتاز و کانت تستعمل في العصور التي سبقت المسیحیة (ظ: لیدل، 1377؛ مولر، 541)، من الممکن أن تکون – من ناحیة المفهوم اللغوي – تعبیراً عن اسم نبي الإسلام «محمد»، أو «أحمد» (أیضاً ظ: براون، 341).
وقد صرح الماوردي بأن الفارقلیط مشتق من أصل بمعنی «الحمد» (ص 212؛ قا: الآراء القدیمة التي فسر فیها الفارق لیطا، أو البارقلیط بمعنی «الذي یفرق بین الحق و الباطل»؛ القاضي عیاض، 1/ 321؛ ابن الأثیر، المبارک، 3/ 439؛ ابن قیم، ن.ص)، ویصرح ابن قیم بأن البعض رأی أن الفارقلیط ینطبق علی أحمد المذکور في القرآن (ن.م، 89-90؛ ظ: فخرالدین، 19/ 313-314؛ یورد آیدین، 142، نقلاً عن إبراهیم متفرقة؛ لمزید من التوضیح، ظ: ن.د، الفارقلیط).
ابن الأثیر، علي، أسد الغابة، القاهرة، 1280هـ؛ ابن الأثیر، المبارک النهایة، تقـ: طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي، القاهرة، 1383هـ/ 1963م؛ ابن بابویه،محمد، الخصال، تقـ: علي أکبر الغفاري، قم، 1362ش؛ م.ن، عل الشرائع، النجف، 1385هـ/ 1966م؛ م.ن،عیون أخبار الرضا (ع)، النجف، 1390هـ/ 1970م؛ م.ن، معاني الأخبار، تقـ: علي أکبر الغفاري، قم، 1361ش؛ ابن حبیب، المحبر، تقـ: لیختن شتیتر، حیدرآبادالدکن، 1361هـ/ 1942م؛ ابن حجر، أحمد، الإصابة، القاهرة، 1328هـ؛ م.ن، لسان المیزان، حیدرآبادالدکن، 1329هـ؛ ابن ربن، علي، الدین و الدولة،تقـ: عادل نویهض، بیروت، 1402-1982م؛ ابن سعد، محمد،کتاب الطبقات الکبیر، تقـ: زاخاو و آخرون، لیدن، 1904-1915م؛ ابن شبة، عمر، تاریخ المدینة المثورة،تقـ: فهیم محمد شلتوت، الحجاز، 1399هـ؛ ابن شهرآشوب، محمد،مناقب آل أبي طالب، قم، المطبعة العلمیة؛ ابن طاووس، علي، إقبال الأعمال، طهران، 1320هـ؛ م.ن، سعد السعود، النجف، 1369ه/ 1950م؛ ابن طیفور، أحمد، کتاب بغداد، تقـ: محمد زاهد الکوثري، القاهرة، 1368هـ/ 1949م؛ ابن عساکر، علي، تاریخ مدینة دمشق، عمان، دار البشیر؛ ابن عنبة، أحمد، عمدة الطالب، النجف، 1380هـ/ 1961م؛ ابن قیم الجوزیة، محمد، جلاءالأفهام، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ م.ن، «زاد المعاد»، في حاشیة شرح المواهب (ظ: همـ، الزرقاني)؛ م.ن، هدایة الحیاری، تقـ: سیفالدین الکاتب، بیروت، 1400هـ/ 1980م؛ ابن کثیر، إسماعیل، الفصول في سیرة الرسول (ص)، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ ابن هشام، عبدالملک، السیرة النبویة، تقـ: طه عبدالرؤوف سعد، بیروت، 1975م؛ أبوحاتم الرازي، أحمد، أعلام النبوة، تقـ: صلاح الصاوي و غلامرضا أعواني، طهران، 1356ش؛ أبو داود السجستني، سلیمان، سنن، تقـ: محمد محیيالدین عبدالحمید، القاهرة، دار إحیاء السنة النبویة؛ أحمدبن حنبل، مسند، القاهرة، 1313هـ؛ الاختصاص، المنسوب للشیخ المفید،تقـ: علي أکبر الغفاري، قم، جماعة المدرسین؛ الإربلي، علي، کشف الغمة، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ «ألقاب الرسول و عترته (ع)»، المجموعة النفیسة، قم، 1406هـ؛ البخاري، محمد، صحیح، مع حاشیة السندي، القاهرة؛ البرقي، أحمد، رجال، تقـ: جلالالدین المحدث الأُرموي، مع رجال ابن داود الحلي، طهران، 1342ش؛ البیهقي، أحمد، دلائل النبوة، تقـ: عبدالمعطي قلعجي، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ الترمذي،محمد، سنن، تقـ: أحمد محمد شاکر و آخرون، القاهرة، 1357هـ/ 1938م و مابعدها؛ وم.ن، الشمائل، مع حاشیة الباجوري، القاهرة، 1344هـ؛ الحاکم النیسابوري، محمد،مستدرک الصحیحین، حیدرآبادالدکن، 1334هـ؛ دیوان أبي طالب، روایة أبي هفان المهزمي، النجف، 1356هـ؛ دیوان حسان بن ثابت، تقـ: ولید عرفات، بیروت، 1974م؛ الاوندي، قطبالدین، الخرائج و الجرائح، قم، 1409هـ؛ الزرقاني، محمد، شرح المواهب اللدنیة، القاهرة، 1329هـ؛ السهیلي، عبدالرحمان، الروض الأنف، تقـ: عبدالرحمان الوکیل، القاهرة، 1387هـ/ 1967م؛ السیوطي، الخصائص الکبری، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ م.ن، الدر المنثور، القاهرة، 1314هـ؛ الشیخ الطوسي، محمد، رجال، النجف، 1380هـ/ 1961م؛ الطبرسي، الفضل؛ إعلام الوری، النجف، 1390هـ؛ العهد الجدید؛ العهد القدیم؛ فخرالدین الرازي، محمد، التفسیر الکبیر، القاهرة، المطبعة البهیة؛ القاضي عیاض، الشفاء، تقـ: علي محمد البجاوي، بیروت، 1977م؛ القرآن الکریم؛ القرطبي، محمد، الجامع لأحکام القرآن، بیروت، 1966م؛ القمي، علي، تفسیر، النجف، 1387هـ؛ الکازروني، محمد، نهایة المسؤول، ترجمة فارسیة قدیمة، تقـ: محمد جعفر یاحقي، طهران، 1366ش؛ الکراجکي، محمد، کنز الفوائد، تبریز، 1322هـ؛ الکلیني، محمد، الکافي، تقـ: علي أکبر الغفاري، طهران، 1391هـ؛ الماوردي، علي، أعلام النبوة، تقـ: محمد المعتصم بالله، بیروت، 1407هـ/ 1987م؛ مسلم بن الحجاج، صحیح، تقـ: محمدفؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1955م؛ الملاعلي القاري، جمع الوسائل في شرح الشمائل، القاهرة، 1318هـ؛ النووي، یحیی، تهذیب الأسماء و اللغات، القاهرة، 1927م؛ وأیضاً:
Biblia Hebraica, ed. Rudolf Kitel, Stuttgart, 1937; Browne, E.G., A Year Amongst the Persians, London, 1970; Crum, W. E., A Coptic Dictionary, Oxford, 1972; EI2; Guthrie, A. & E. F. F. Bishop, «The Paraclete, Almunhamanna and Ahmad», The Muslim WORLD, NewYork, 1951, vol. XLI; Jacob of Sarug, «Trostschreiben» (vide; Schröter); Liddell, H. G & R. Scott, Greek English Lexicon, Oxford, 1968; Muller, F. & J. H. Thiel, Grieks-Nederlands woordenboek, Batavia, 3rd edition; «The Prayer of the Apostle Paul», tr. D. Mueller, The Nag Hammadi Library in English, Leiden, 1984; Schröter, R., «Trostschreiben Jacob’s von Sarug and die himjaritschen Christen», ZDMG, 1877, vol. XXXI; Watt, W. M., «His Name Is Ahmad», The Muslim World, New York, 1953, vol. XIII; Yurdaydin, H., Islâm târihi dersleri, Ankara, 1982.
أحمد پاکتچي/ خ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode