أبو یعقوب
cgietitle
1443/1/17 ۲۲:۳۱:۱۹
https://cgie.org.ir/ar/article/235845
1446/9/3 ۲۰:۳۹:۰۶
نشرت
5
أَبویَعقوب، یوسف بن عبدالمؤمن بن علي (533-580هـ/1139-1184م)، الخلیفة الثاني للموحدین في المغرب والأندلس. ینحدر نسبه إلی قبیلة قیس عیلان المعروفة (ابن عذاري، 3/56غ ابن خلدون، یحی، 1/170). کان والده أول خلیفة للموحدین و من «الأصحاب العشرة» لابن تومرت (ن.ع)، وکانت والدته عائشة (أو زینب) بنت موسی بن سلیمان (ابن أبي زرع، 205؛ المراکشي، 237). ولد أبویعقوب في تینمَلَّل، ونشأ فیها (ابن عذاري، 3/139؛ قا: عنان، 2/135). یمکننا تقسیم حیاته إلی مرحلتین مهمتین:
ولی الخلیفة عبدالمؤمن في 551هـ بناء علی طلب بعض وجهاء إشبیلیة أبایعقوب الذي کان شاباً صغیر السن علی إشبیلیة. وبعد فترة قلیلة من بدایة حکمه في طبیرة حدث تمرد بقیادة علي الوهیبي في جنوب البرتغال؛ فسار هذا الحاکم الشاب بجیوشه إلیها وحاصرها براً و بحراً، وأجبر أخیراً المتمردین علی الاستسلام؛ ثم بعث أحد قواده إلی المناطق الغربیة، واستعاد الأراضي التي کان ابن الوزیر یسیطر علیها (ابن عذاري، 3/34). وفي السنة التالیة هاجم أبویعقوب بجیش مجهز النصاری الذین کانوا قد طمعوا في إشبیلیة، إلا أنه لم یقدر علی المقاومة أمام هجومهم العنیف، وقتل في هذه المعرکة الکثیر من قادة الموحدین، وأنقذ أبویعقوب نفسه من المهلکة بعد جهد جهید (م.ن، 3/37-38).
وفي 554هـ سیطر ابن مردنیش (ن.ع) علی مدینة جیان و حاصر قرطبة، ثم ترک محاصرتها و توجه إلی إشبیلیة متخیلاً أن إشبیلیة أصبحت علی وشک الاستسلام، فهب أبویعقوب للدفاع عنها، وفک أخیراً طوق الحصار وأجبر ابن مردنیش علی التراجع (ابن صاحب الصلاة، 67-68؛ ابن عذاري، 3/40-41). ویبدو من بعض الروایات أن أبا یعقوب اعتزل في 557هـ حکم إشبیلیة، وتولی عبدالله بن أبي حفص حکمها (ظ: ابن صاحب الصلاة، 128؛ ابن عذاري،3/49-51). وفي نفس السنة سیطر ابن هَمُشک (ن.ع) علی غرناطة، فبعث عبدالمؤمن جیشاً جراراً بقیادة أبي یعقوب، وانضم إلیه في مالقة جند أخیه أبي سعید، وعسکر أبویعقوب نفسه في وادي دلر في جنوب غرناطة، ثم دمر مواضع النصاری في أطراف غرناطة بعد أن أغار علی جیش العدو (28 رجب 557)، ودخل المدینة منتصراً (ابن صاحب الصلاة، 123-124، 130-134؛ ابن عذاري، 3/52-53). وبعد هذا الانتصار الکبیر عاد أبویعقوب إلی قرطبة، وتم استقباله. وبعد توقف قصیر في قرطبة وإشبیلیة، سار في محرم 558 إلی مراکش للقاء أبیه (ابن صاحب الصلاة، 139-141؛ ابن عذاري، 3/53-54)
ورث أبویعقوب من خلال إقدام مفاجئ التاج والعرش بعد موت عبدالمؤمن (558هـ)، رغم ولایة عهد ابنه البکر محمد ورغم إعلانها بشکل رسمي في 549هـ. واستناداً إلی بعض المصادر القدیمة فقد کان الخلیفة قد عزل في الأیام الأخیرة من حیاته محمداً الذي کان معروفاً بفساد الأخلاق و مصاباً بمرض الجذام، وولی أبا یعقوب بدلاً منه. وقد کتم أبوحفص، الابن الآخر لعبد المؤمن ووزیره القوي، موت أبیه، وهیأ مقدمات مبایعة أبي یعقوب، رغم معارضة إخوته الآخرین؛ ثم ذهب الخلیفة الشاب من سلا إلی مراکش، وجلس علی کرسي الخلافة. وفي هذه الأثناء أعلنوا موت الخلیفة و دفنوا جثمانه إلی جانب قبر ابن تومرت (ابن صاحب الصلاة، 154-155، 163-164؛ ابن عذاري، 3/58-60؛ ابن أبي زرع، 208؛ المراکشي، 236؛ ابن الأثیر، 11/291؛ ابن کثیر، 12/246).
وعلی حد قول المراکشي (ن.ص)، فقد کانت ولایة محمد بعد موت عبدالمؤمن 45 یوماً، ثم عزله أخواه أبوحفص و أبویعقوب (أیضاً ظ: ابن خلکان، 7/130؛ الذهبي، 21/99؛ مقدیش، 1/466). ولذلک، لایبدو بعیداً أن تکون روایة عزل محمد من قبل أخیه مختلقة. وبالفعل فإن امتناع علي و عبدالله و عثمان أبناء الخلیفة الآخرین عن مبایعة أبي یعقوب یعزز هذا الرأي. وفي هذه الفترة لم یتسم أبویعقوب بالخلافة، بل تسمی بالإمارة فحسب (ابن عذاري،3/59؛ ابن أبي زرع، 208-209). ومنذ ذلک الحین، بعث أبویعقوب رسائله إلی جمیع الولایات التي یحکمها الموحدون في المغرب والدندلس، وطلب منهم البیعة. وفي 559هـ جاء إلی مراکش أخواه أبوسعید حاکم قرطبة وأبومحمد حاکم بجایة، وقد کانا یعارضان خلافته منذ البدء، مع أمراء رقعة حکمهم، وبایعوا أبا یعقوب، وأخیراً تمت المبایعة النهائیة بمساعي أخیه أبي حفص عمر في ربیع الأول 560 (ن.ص؛ عنان، 2/13-14). وعین أبویعقوب منذ البدایة أبا حفص الذي کان العامل الرئیس في تولیه الحکم، وزیراً وحاجباً له، وأوکل معظم الأمور إلیه بحیث بدا وکأنه الخلیفة الحقیقي (ظ: تتمة المقالة).
وفي بدایة خلافة أبي یعقوب حدث تمرد في منطقة غمارة بقیادة مزیزدغ (مرزدغ) من قبیلة صنهاجة، امتد حتی مناطق تاودا (تاودة) قرب فاس. وقمع یوسف بن سلیمان قائد جیش الخلیفة، المتمردین و قتل زعیمهم وجاء برأسه إلیه (البیذق، 124؛ ابن أبي زرع، 209-210؛ الذهبي، 21/100). وفي نفس الوقت الذي قمع فیه هذا التمرد کان أبوحفص منشغلاً بمحاربة ابن مردنیش، وعین في غیابه إدریس بن جامع الذي کان من أقارب ابن تومرت في الوزارة (ابن صاحب الصلاة، 195-197، 210). وفي أوائل 562هـ حدث مرة أخری تمرد في غمارة، واستولی سبع بن منخفاد (منغفاد) زعیم المتمردین علی منطقة واسعة من سواحل البحر الأبیض المتوسط حتی سبتة، وبعد أن قتل وأسر الکثیر من أهالي هذه المناطق، تقدم من جهة المغرب إلی منطقة القصر الکبیر. وقد کانت سیطرة ابن منخفاد علی هذه المناطق بمثابة خطر جدي للغایة، إذ کانت تمثل الشریان الحیوي للمغرب والأندلس و حلقة الوصل بینهما، ولذلک فقد بعث لقمعه جیشین من جبهتین مختلفتین. واستطاع المتمردون أن یثبتوا أمام الجیشین کلیهما، فاضطر أبویعقوب أن یتوجه بنفسه إلی غمارة مع أخویه أبي حفص وأبي سعید مصطحباً معه جیشاً جراراً. واستطاع جیشه أن یهزم المتمردین هزیمة نکراء (شوال 562)، بعد أن نفذ إلی قلب مواضعهم. وقتل في هذه الحرب سبع بن منخفاد، وعاد أبویعقوب إلی مراکش بغنائم وأسری عدیدین. ثم قمع أبوعبدالله ابن إبراهیم بأمر أبي یعقوب، النصاری المتحالفین مع ابن مردنیش، وقد کانوا یسیطرو علی المنطقة الواقعة بین غرناطة ووادي آش ویهاجمون بشکل مستمر المناطق المحیطة بغرناطة، وبذلک أنقذ تلک المناطق من خطرحملات النصاری (م.ن، 220-221؛ عنان، 2/23). وبعد أن قمع الموحدون المتمردین، وحالوا دون تطاول النصاری وقوات ابن مردنیش علی مناطق غرناطة، جددوا البیعة مع أبي یعقوب (563هـ). وبعث أبویعقوب رسائل إلی مناطق الأندلس الأخری، وطلب من حکامهما أن یأخذوا البیعة له من الناس مرة أخری. وعلیحد قول بعض المؤرخین، فقد لقب بشکل رسمي منذ ذلک الحین بـ «أمیر المؤمنین» (ابن صاحب الصلاة،258-267؛ ابن عذاري، 3/73-74؛ السلاوي، 2/148)، رغم أنه کان قبل ذلک یطلق هذا اللقب علی نفسه أحیاناً في بعض رسائله (ظ: ابن صاحب الصلاة،225).
وفي جمادي الآخرة 563 ولی أبویعقوب أخاه إبراهیم علی قرطبة حیث کانت هذه المدینة دون والٍ منذ 561هـ (م.ن، 272؛ عنان، 2/29). وکان دخوله قرطبة بدایة حرکة جادة ضد النصاری والأعداء الآخرین للموحدین. وقد کتب أبویعقوب قبل دخول إبراهیم قرطبة کتاباً إلی أبي عبدالله والي غرناطة، وأخبره بعزمه علی البدء بجهاد واسع ضد أعداء الموحدین في الأندلس، وطلب منه أن لایألو جهداً في إعداد الآلات والأسلحة لجیش إبراهیم و جیش إشبیلیة اللذین سینضمان إلی عاجلاً (ابن صاحب الصلاة، 272-274). وتزامناً مع وصول هذا الکتاب إلی أبي عبدالله، انطلق عدد من النصاری بقیادة جیرالدو (أو ابن مردنیش علی روایة أخری) من وادي آش، وشنوا هجوماً علی وادي شنیل في غرب غرناطة، وتقدموا في هجومهم حتی رندة في جنوب غرناطة بعد أن أعملوا القتل فیها. فأعد أبوعبدالله جیشاً مجهزاً، وأرسله لمواجهة النصاری. وتلاقی الجیشان قرب وادي آش، وفرّت النصاری إثر الحملات الساحقة للموحدین (م.ن، 274-275؛ ابن عذاري، 3/75-76؛ عنان، 2/29-30).
وفي ذي القعدة 563 استولی جیش أبي یعقوب علی طبیرة التي کانت من أکثر مدن الأندلس اضطراباً، وقد کان یمني نفسه منذ مدة طویلة بالسیطرة علیها، وکان حاکمها عبدالله بن عبیدالله من المتمردین ویُعمل القتل والنهب کثیراً في مناطقها. فقد حاصر الموحدون طبیرة براً وبحراً واستولوا علیها (ابن صاحب الصلاة، 283-284؛ عنان، 2/30).
وأما غرب الأندلس فقد کان مهدداً أیضاً منذ فترة طویلة من قبل ألفونسو هنریکیز ملک البرتغال الذي کان یشکل خطراً جدیاً علی تلک المناطق، حیث کان یهاجم الأراضي المجاورة کلما سنحت له الفرصة (ابن صاحب الصلاة، 289؛ ابن عذاري، 3/78-79؛ عنان، 2/25-27)، ولکن وقعت في أواخر 563 هـ حادثة مهمة جعلت خلیفة الموحدین یأمن جانب الغرب لفترة طویلة، فقد قدم فرناندو رودریکیز حاکم ترجاله وصهر فرناندو الثاني مع إخوته إلی إشبیلیة وانضموا إلی الموحدین، ودعاه أبویعقوب إلی مراکش واستقبله بحفاوة. ثم وقّع فرناندو الثاني الببوج (ابن ألفونسو السابع)، المعروف بالسلیطن حاکم السبطاط (لیون) معاهدة الصلح والصداقة مع الموحدین (ابن صاحب الصلاة، 284-287؛ عنان، 2/30-31). وأقام فرناندو بعد ذلک تحصینات علی الحدود بین البلدین للهجوم علی أراضي البرتغال، واستطاع بمساعدة الموحدین أن یحقق بعض النجاح. وقد کانت الثمرة الأولی لهذا التحالف انتصار فرناندو علی الکونت نونیو بریث دي لارا حاکم طلیطلة. ومنذ ذلک الوقت سیطر جیش فرناندو و الموحدین علی مناطق قشتالة، وتقدموا حتی حدود أستوریاس (ابن صاحب الصلاة، 286-287؛ عنان، 2/32). وفي هذه الأثناء، جهز ألفونسو ملک البرتغال بمساعدة جیرالدو حملة بهدف السیطرة علی بطلیوس، وحاصر أخیراً هذه المدینة في رجب 564 (ابن صاحب الصلاة، 288-290). وبمجرد أن سمع أبویعقوب بخبر محاصرة بطلیوس، خرج من مراکش متوجهاً إلی الأندلس مصطحباً معه جیشاً، إلا أنه وجه و هو في طریقه أباحفص عمر ابن یحیی إلیها، وقفل هو نفسه إلی مراکش باقتراح من قادة الموحدین. وسارع فرناندو الببوج حلیف الموحدین إلی مساعدة المحاضرین قبل وصول أبي حفص إلی بطلیوس. وعندما أحاط حاکم بطلیوس علماً بوصول قوات فرناندو إلی خلف بوابات المدینة، أنزلقواته من طریق سري من فوق القلعة إلی داخل المدینة، وفتح بوابات المدینة أمام جیش فرناندو، وحیئنذ هجم کلا الجیشین علی البرتغالیین وقتلوا الکثیر منهم، وأسر ألفونسو أیضاً عند فراره، و سیطر المسلمون مرة أخری علی بطلیوس (م.ن، 291-292، 295-296؛ ابن عذاري، 3/82-83).
وفي هذه الأثناء، نشب اختلاف بین ابن مردنیش وحلیفه ابن همشک الذي کان یحکم بالنیابة عنه مناطق جیان وبیاسة وأبدة. وعندما تفاقم الاختلاف، بعث ابن همشک رسالة إلی الموحدین، وأعلن عن طاعته لأبي یعقوب (ابن صاحب الصلاة، 302-304؛ شکیب أرسلان، 3/430؛ عنان، 2/39-40). ومع کل ذلک، فإن حکم الموحدین لم تحط به أوضاع وظروف مناسبة کثیراً، فابن مردنیش الذي کان قد تلقی ضربة قاصمة ومفاجئة، عزم علی الانتقام و والی هجماته علی جیان. وفي غرب الأندلس تعرضت بطلیوس مرة أخری لتهدید النصاری. ورغم أن یوسف والي بطلیوس آنذاک بذل جهداً کبیراً من أجل تثبیت مواضعه، إلا أنه لم یستطع المقاومة أمام جیرالدو، فتمکن الأخیر في نهایة المطاف من أن یهزم جیش الموحدین في أواخر 564هـ في هجوم کاسح بعد أن استدرج بالحیلة جیشهم إلی خارج المدینة وأسر الکثیر منهم (ابن صاحب الصلاة، 305-306).
ومن جهة الشمال سار الکونت نونیو أیضاً من طلیطلة بجیش باتجاه الجنوب، وأعمل في طریقه القتل والنهب؛ إلا أن الموحدین کانوا یفضلون أن یحتفظوا بقواتهم لمحاربة ابن مردنیش (م.ن، 310-312؛ عنان، 2/42). وفي هذه الأثناء مرض أبویعقوب و هو في طریقه إلی الأندلسی یرافقه جیش جرار، ولم یستطع أن یفي بعهده الذي قطعه علی نفسه بالمشارکة في الجهاد. وعلی أیة حال، فقد بعث أباحفص بناء علی طلب ابن همشک لقیادة جیش جرار لمحاربة ابن مردنیش (ابن صاحب الصلاة، 312؛ ابن عذاري، 3/88). ووصل جیش الموحدین إلی إشبیلیة في أوائل 566هـ. وفي البدء حرروا بطلیوس من قبضة البرتغالیین، ثم دمروا جمیع قواعد ابن مردنیش. وأرصل ابن مردنیش جیشاً إلی لورقة التي کانت تعد الحصن الإمامي لمرسیة. وانضم أهالي لورقة إلی الموحدین. وبعد أن استولی جیش الموحدین علی لورقة وبسطة وألمریة، حاصروا أخیراً مرسیة (ابن صاحب الصلاة، 313-321). وانطلق أبویعقوب نفسه من مراکش بجیش کبیر کان قد جمعه من بین قبائل المغرب. وأخیراً دخل جیش أبي یعقوب الذي کان یزداد عدده تدریجیاً في الطریق، إشبیلیة (12 شوال 566)، ثم توجه إلی قرطبة (م.ن، 323-324، 331-344، 349، 362، 370).
وعاد الجیش الآخر للموحدین بقیادة أبي حفص إلی إشبیلیة بعد الانتصارات التي حققها في قتاله ابن مردنیش، وحظي باستقبال أبي یعقوب وقادة الموحدین (محرم 567). وبعد فترة قصیرة توفي ابن مردنیش واستسلم ابنه هلال و کبار شرق الأندلس للموحدین (م.ن، 370-380). ورغم أن أبایعقوب أضحی یفکر في الهجوم علی غرب الأندلس واسترجاع بلاد المسلمین من أیدي النصاری، إلا أن هلال بن مردنیش الذي جاء إلی إشبیلیة مع قادته، طلب من أبي یعقوب أن بجیش الجیوش إلی بلاد النصاری في المناطق الشرقیة ومن جملتها وَبذة. ولذلک فقد أوکل أبویعقوب الهجوم علی الغرب إلی وقت آخر (م.ن، 380-381؛ المراکشي، 248-249؛ مقدیش، 1/466-467)؛ ثم خرج من إشبیلیة مع جیشه، وقد امتثلت النصاری له خوفاً منه عندما عزم علی فتح قلعة بلج التي کان یحاصرها ابن همشک (ابن صاحب الصلاة، 398-401). وفي طریقه أخذ الصلح من قلعة الکَرَس، وأوکل أمرها إلی ابن همشک. ثم بعث أخاه أباسعید بجیش إلی قشتالة و وبذة (م.ن، 401-403)، وقاومت النصاری في البدء، إلا أن جیش الخلیفة أجبرهم علی التراجع إلی داخل المدینة، وحاصرها. ولکن وقوع بعض الحوادث المفاجئة، و کذلک قلة المؤن أضعفت جیش أبي یعقوب إلی حد کبیر (م.ن، 403-411؛ المراکشي، 250-251؛ ابن خلکان، 7/131، 135). وعندما أحاط أبویعقوب علماً بخبر اقتراب قوات ألفونسو الثامن لمساندة النصاری، أصدر فوراً الأمر بالأنسحاب، ولم یستطع الجیش أن یبلغ مرسیة إلا بصعوبة، وعاد أبویعقوب إلی إشبیلیة في أوائل ربیع الأول 568 (ابن صاحب الصلاة، 411-424؛ ابن عذاري، 3/96-97؛ عنان، 2/74-84).
وعندما کان أبویعقوب منشغلاً بالحرب في المناطق الشرقیة، استولی ألفونسو هنریکیز بمساعدة قائده جیرالدو علی مدینة باجة في غرب الأندلس، وسار الکونت خیمنو (القومس) أیضاً بجیش محملاً بغنائم کان قد حصل علیها في الطریق، وتقدم بهجومه حتی بُلیارش قرب القصیر (أوائل شعبان 568). وبعث أبویعقوب بجیش، وهزمت النصاری هزیمة نکراء، وقتل الکونت خیمنو، وجاؤوا برأسه إلی أبي یعقوب (ابن صاحب الصلاة، 428-432؛ ابن عذاري،3/98-99؛ عنان، 2/86-89). وشجع هذا الانتصار أبا یعقوب علی أن ینفذ مخطط الهجوم علی الغرب الذي کان یفکر فیه منذ أمد بعید. ولذلک وجه إلی الغرب جیشاً جراراً مدججاً بالسلاح، فاجتاز بطلیوس و تقدم حتی حدود طَلَبیرة إلی جانب نهر تاجة في غرب طلیطلة وقتل عدداً کبیراً من النصاری، ثم عاد إلی إشبیلیة بأسری و غنائم کثیرة. ومع توالي الحملات، عرضت النصاری، ثم عاد إلی إشبیلیة بأسری و غنائم کثیرة. ومع توالي الحملات، عرضت النصاری الصلح. ورغم أن مفاوضات الصلح استغرقت وقتاً طویلاً، ولکن أبرمت أخیراً معاهدة بین النصاری والمسلمین (ذوالحجة 568). ویبدو أن هدف أبي یعقوب من الصلح إعادة إعمار البلاد التي دمرتها النصاری (ابن صاحب الصلاة، 436-437؛ عنان، 2/89-90).
وجاء جیرالدو قائد ألفونسو إلی إشبیلیة أیضاً، ورغم أنه اعتبر نفسه عبداً وخادماً لأبي یعقوب، إلا أن الأخیر أمر بسجنه، ثم قتله، لأنه أراد أن یقیم في السر علاقة مع ألفونسو خلافاً للعهد الذي قطعه علی نفسه (ابن عذاري، 3/103؛ عنان، 2/90). ومنذ ذلک الحین، انشغل أبویعقوب لفترة في إعمار مدن مثل باجة التي کان ألفونسو قد دمرها قبل سنتین، إلا أنه بعث بعد ذلک بفترة قصیرة (صفر 570) جیشاً جراراً لمحاربة فرناندو الثاني ملک لیون الذي کان قد نقض عهده. وهاجم الموحدون مدینة ردریجو (السبطاط) عاصمة لیون، ولکنهم لم یستولوا علهیا (ابن عذاري،3/103-104؛ عنان، 2/91-92).
وفي شعبان 571 غادر أبویعقوب إشبیلیة متوجهاً إلی مراکش (ابن عذاري، 3/107-109؛ عنان، 2/93). وبعد مدة قصیرة من استقراره في مراکش، انتشر الطاعون في المدینة وحصد أرواح الکثیرین، وفقد أبی یعقوب 4 من إخوته، وابتلي هو نفسه، إلا أنه نجا من الموت (ابن عذاري، 3/109-110).
وفي أواخر 572 هـ ثارت قبائل صنهاجة، فاختار الخلیفة ابنه أبایوسف یعقوب (ن.ع) لقیادة الحرب، ولکن سرعان ما امتثلت تلک القبائل لأمر الخلیفة، فعاد جیشه إلی مراکش (م.ن، 3/110؛ عنان، 2/95). وفي هذه الأثناء نقض ألفونسو الثامن ملک قشتالة و الکونت نونیو حاکم طلیطلة عهدهما، وحاصرا مدینة قونقة. وهاجم أبوالحسن والي قرطبة بجیش من الموحدین مناطق طلیطلة بأمر الخلیفة، وعاد محملاً بغنائم کثیرة (شوال 572)، ولکن محاولاته و کذلک محاولات والي إشبیلیة من أجل إنقاذ قونقة من محاصرة النصاری لم تثمر، وسقطت المدینة أخیراً بید النصار بعد 9 أشهر (ابن عذاري، 3/110-111؛ عنان، 2/95-97). وواجه الموحدون بعد ذلک هجمات فرناندو الثاني (الببوج) علی إشبیلیة وتقدمه حتی أرکش و شریش والمناطق الجنوبیة من إشبیلیة (ابن عذاري،3/111) کما واجهوا في النواحي الغربیة هجوم ألفونسو ملک البرتغال علی مدینة باجة في 573هـ (عنان، 2/97).
وفي 575 هـ اشتدت هجمات البرتغالیین في البر و البحر، وأمر الخلیفةُ غانمَ بن مردنیش بالهجوم علی سواحل البرتغال. ورغم أن غانماً توجه إلی أشبونة وسیطر علی سفینتین من أسطول البرتغال، إلا أن الأسطول البرتغالي توجه إلی الجنوب واستولی علی جزیرة شلطیش وأسر الکثیر من المسلمین (ابن عذاري، 3/113؛ عنان 2/99-100). وهکذا أصبح أبویعقوب یواجه أحداثاً جسیمة: موت أخیه أبي حفص الذي کان یعتبر ساعده القوي (575هـ)، وثورة أهالي قفصة في جنوب القیروان، وحملات البرتغالیین في جنوب الأندلس من البر و البحر (ابن عذاري، 3/113-114، 118؛ عنان، 2/101-102).
وفي 576هـ/1180م حاصر أبویعقوب مدینة قفصة، وأجبر المتمردین علی الاستسلام (ابن عذاري، 3/114-116؛ ابن خلدون، العبر، 6/240-241؛ ابن الأثیر، 11/467-468). واشتبک الموحدون مرة أخری مع البرتغالیین في بعض المواضع، وأسر في إحدی المرات غانم ابن مردنیش (ابن عذاري، 3/116)، إلا أن المسلمین انتصروا في أواخر 576هـ في جنوب أشبونة في معرکة ضاریة حدثت بین الجیشین (م.ن، 3/117-118). ومنذ ذلک الحین اشتدت اعتداءات البرتغالیین علی الأندلس، وتعرض الموحدون لمرات عدیدة في مناطق مختلفة لهجماتهم العنیفة.
ولم یکن أبویعقوب راضیاً أبداً عن أحداث السنوات الأخیرة في الأندلس، ومن جهة أخری فقد کان قد أدرک جیداً أن القدرة الدفاعیة للموحدین هناک ضعفت إلی حد کبیر، وتحولت أکثر المدن إلی میدان لهجمات النصاری، ولذک فقد عزم علی أن یتوجه بنفسه إلی الأندلس للجهاد، ولهذا وجه جیشاً جراراً کان قد هیأه وجهز له منذ فترة طویلة (شوال 579). وانضمت في الطریق قبائل العرب إلی جیش الموحدین، والتحق به في إشبیلیة محاربون من مدن أخری (م.ن، 3/128-132؛ ابن أبي زرع، 212-214). وحددت شنترین کهدف أول، حیث کانت أهم قواعد البرتغالیین، ومنها تقاد الاعتداءات و الحملات. وقد کان الاستیلاء علی هذه المدینة من شأنه أن یوجه ضربة کبیرة إلی ألفونسو الثامن. وقد کان فرناندو ملک لیون و ألفونسو الثامن ملک قشتالة قد نقضا منذ مدة طویلة عهدهم مع الموحدین و تعاهدا علی أن یقاتلا معاً ضد المسلمین، ویستبسلا في مقاومة هجماتهم، ولذلک فقد قام فرناندو بالهجوم في شمال شرقي بطلیوس، وحاصر مدینة قاصرش، ولکنه عندما أحاط علماً بتحرک جیش أبي یعقوب، ترک المحاصرة و عاد إلی لیون (شکیب أرسلان، 3/430؛ عنان، 2/117-119). وانطلق أبویعقوب من بطلیوس توجه إلی وادي تاجة (ربیعالأول 580)، ثم سیطر جیشه علی الارتفاعات المشرفة علی المدینة في الجنوب و الشرق. وفي هذه الأثناء حاصر أسطول الموحدین أیضاً مدینة أشبونة عن طریق «الوادي الکبیر». وعندما کان الجیش في الارتفاعات المطلة علی شنترین، أصدر أبویعقوب الأمر بمحاصرة المدینة، ولکن القوات المستقرة في المدینة کانت علی أهبة الاستعداد، حیث کانت قد عززت مواضعها منذ فترة طویلة قبل ذلک. ورغم أن الموحدین هاجموا المدینة عدة مرات، وعادوا متکبدین خسائر فادحة، إلا أن أبایعقوب الذي کان قد أحیط علماً باقتراب قوات فرناندو المتحالفة مع البرتغالیین، أمر الجنود بشکل مفاجئ بعد حوالي 5 أیام بأن یکفوا عن القتال. وقد أدی هذا القرار المفاجئ إلی حدوث فوضی في معسکر الجیش (ابن عذاري،3/133-134، 137؛ ابن أبي زرع، 214؛ ابن العماد، 4/264؛ ابن عبدالمنعم، 114؛ عنان، 2/125-126؛ قا: ابن خلکان، 7/135، الذي عد تراجع الخلیفة بسبب شدة البرد و زیادة مدّ النهر). واستغلت النصاری الفرصة، وأخذت تطارد المسلمین، بل أن جماعة منهم استطاعوا أن یصلوا إلی مقر أبي یعقوب، ویشنوا هجوماً علیه. وقتل أبویعقوب عدداً منهم، إلا أنه جُرح بجراحات بالغة. وتحرک جیش الموحدین المنهزم إلی الجنوب وهو یحمل معه خلیفته الجریح. وتوفي أبویعقوب بالقرب من الجزیرة الخضراء، ونقل جثمانه إلی رباط الفتح، ودفنوه هناک (ابن عذاري،3/135-138؛ ابن أبي زرع، 208، 214-215؛ المراکشي، 258-259، 261؛ الزرکشي، 14؛ ابن أبي دینار، 118).
کان أبویعقوب من أکبر خلفاء الموحدین، ورغم أنه لم یحقق کبیر نجاح في ساحات الحرب، إلا أنه لم یأل جهداً في إعمار البلاد. ومن جملة أعماله التي اشتهر بها: بناء المسجد الجامع بإشبیلیة، وإیصال الماء إلی هذه المدینة و تجدید بناء المسجد الجامع بإشبیلیة، وإیصال الماء إلی هذه المدینة وتجدید بناء أسوارها التي هدمت إثر السیل، وبناء جسر طریانة، وتوسیع مدینة مراکش (ابن صاحب الصلاة، 165-168؛ ابن عذاري، 3/126؛ السلاوي، 2/151؛ الحلل ...، 157). وبالإضافة إلی ذلک، فإنه کان یحترم ویقدر أیضاً العلم و العلماء إلی حدکبیر. فقد کان یحفظ القرآن منذ الطفولة، ویمیل إلی علم الحدیث، ویقال إنه کان یحفظ صحیح البخاري کله، کما بلغ مکانة رفیعة في الفقة (ابن الخطیب، 4/354؛ الذهبي، 21/99؛ عنان،2/135). کان أبویعقوب یمیل أیضاً إلی الفلسفة بشکل خاص، حیث کان قد جمع في بلاطه فلاسفة و علماء کابن رشدو ابن طفیل وابن زهر (ن.ع.ع)، وبالغ في إکرامهم، وکان یدفعهم من خلال التشجیع المتواصل إلی تألیف آثار کبیرة اشتهرت فیما بعد (المراکشي، 237-238؛ الیافعي، 3/417؛ EI2).
وقد کانت له تألیفات منها کتاب باسم الجهاد جمع فیه الأحادیث التي جاءت في فضیلة الجهاد. وقد ضم غولد تسیهر هذا الأثر إلی کتاب أعزما یطلب لابن تومرت، وطبعهما في الجزائر (1903م).
ابن أبي دینار، حمد، المؤنس، تقـ: محمد شمام، تونس، 1387هـ/1967م؛ ابن أبي زرع، علي، الأنیس المطرب، الرباط، 1972م؛ ابن الأثیر، الکامل؛ ابن الخطیب، محمد، الإحاطة، تقـ: محمد عبدالله عنان، القاهرة، 1973م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن خلدون، یحیی، بغیة الرواد، تقـ: عبدالحمید حاجیات، الجزائر، 1980م؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن صاحب الصلاة، عبدالملک، المنُّ بالإمامة، تقـ: عبدالهادي التازي، بیروت، 1987م؛ ابن عبدالمنعم الحمیري، محمد، صفة جزیرة الأندلس (قسم من الروض المعطار)، تقـ: لیفي پروفنسال، القاهرة، 1937م؛ ابن عذاري، أحمد، البیان المغرب، تقـ: محمد بن تاویت و محمد بن إبراهیم الکتاني، تطوان، 1960م؛ ابن العماد، عبدالحي، شذرات الذهب، القاهرة، 1350هـ/1931م؛ ابن کثیر، البدایة؛ البیذق، أبوبکر، أخبار المهدي، تقـ: لیفي پروفنسال، باریس، 1928م؛ الحلل الموشیة، تقـ: سهیل زکار و عبدالقادر زمامة، الدار البیضاء، 1979م؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: بشار عواد معروف و محیي هلال السرحان، بیروت، 1404هـ/1984م؛ الزرکشي، محمد، تاریخ الدولتین، تقـ: محمد ماضور، تونس، 1966م؛ السلاوي، أحمد، الاستقصاء، تقـ: جعفر الناصري و محمد الناصري، الدار البیضاء، 1954م؛ شکیب أرسلان، الحلل السندسیة، بیروت، 1358هـ/ 1939م؛ عنان، محمد عبدالله، عصر المرابطین و الموحدین في المغرب والأندلس، القاهرة، 1384هـ/1964م؛ المراکشي، عبدالواحد، المعجب، تقـ: محمدسعید العریان و محمد العربي العلمي، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ مقدیش، محمود، نزهة الأنظار في عجائب التواریخ والأخبار، تقـ: علي الزواري و محمد محفوظ، بیروت، 1988م؛ الیافعي، عبدالله، مرآة الجنان، بیروت، 1970م؛ وأیضاً:
EI2.
عنایتالله فاتحينژاد/ خ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode