الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / أبو الهذیل العلاف /

فهرس الموضوعات

أبو الهذیل العلاف

أبو الهذیل العلاف

المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/17 ۲۰:۳۵:۰۹ تاریخ تألیف المقالة

عقائده وآراؤه

أُجریت بحوث ودراسات عدیدة حول معتقدات وآراء أبي الهذیل نشیر هنا إلی أهمها: في 1966م ألف فرانک کتاباً مستقلاً بعنوان «مینافیزیقیة الوجود المخلوق من منظار أبي الهذیل العلاف»، وفي 1969م کتب مقالة تحت عنوان «صفات الله علی أساس تعالیم أبي الهذیل العلافم، وذکر فان إس خلاصتهما في مقالة «أبي الهذیل العلاف» في إیرانیکا (I/320-322). وقد کتب فان إس حول أبي الهذیل في کتاب «الکلام والمجتمع في القرنین 2 و 3هـ» بتفصیل أکثر من أعماله السابقة (III/209-296). کما ألف علي مصطفی الغرابي کتاباً باسم أبوالهذیل العلاف أول متکلم إسلامي تأثر بالفلسفة. وقد وضح في هذا الکتاب آراء أبي الهذیل الکلامیة، وسعی بعد کل فقرة لأن یتتبع تأثیر أفکار الفلاسفة الیونانیین في کل جزء منها، رغم کونه یبالغ أحیاناً في ذلک، وقد لایحالفه التوفیق کثیراً في بعض الحالات في إیضاح العلاقة بین هذه الآراء.

وعلی أیة حال، فلأن أیاً من مؤلفات أبي الهذیل لم یبق، ولم یصلنا منها سوی بعض المناظرات - وقد نقلت أحیاناً بشکل مبهم و ناقص - وحشد من الروایات المتفرقة المفککة عن آرائه ومعتقداته، فإن من الواجب دراسة معتقداته علی أساس هذه المعلومات تحت عدة عناوین عامة؛ إلا أن من الضروري قبل ذلک أن نتنانول بالدراسة الأوضاع الثقافیة و التاریخیة لعصر أبي الهذیل، والتي لها تأثیر کبیر في فهم معتقداته بشکل أفضل.

لقد کان أبوالهذیل یعیش في عهد حکم کل من المنصور والمهدي وهارون الرشید والأمین والمأمون والمعتصم، کما کان علی علاقة مع أسرة البرامکة. کانت مدینة البصرة في ذلک العصر مرکزاً ثقافیاً کبیراً، نشط فیه المتکلمون المسلمون و غیر المسلمین من زرادشتیین، وزنادقة، ومانویین، ویهود، ومسیحیین. ومن أهم خصائص هذا العصر انطلاق حرکة الترجمة. وقد استمرت هذه الحرکة التي کانت قد بدأت من عهد عبدالملک بن مروان (ابن الندیم، 303؛ أیضاً ظ: البلاذري، 4/69)، في حکم المنصور، ثم هارون الرشید (ابن الندیم، 304؛ القفطي، 380)، وبلغت ذروتها في عهد المأمون بإرسال وقد إلی الروم لإعداد الکتب، وتأسیس مرکز باسم بیت الحکمة (قبل 215هـ/ 830م) لترجمة الآثار الیونانیة (ابن الندیم، ن.ص؛ ابن أبي أصیبعة، 1/187؛ مایرهوف، 56-58). وحتی عهد المأمون لم یکن قد ترجم من آثار أرسطو سوی الکتب المنطقیة (کراوس، 118). وفي هذه الفترة ترجم إلی العربیة الإلهیات المنسوب إلی أرسطو وکتاب طیماؤس لأفلاطون (ابن الندیم، 306-307؛ المسعودي، التنبیه ...، 162-163؛ القفطي، 379)، وبالإضافة إلی ذلک فإن ردود المتکلمین المسلمین و من جملتهم أبوالهذیل تدل علی أنهم کانوا یحیطون علماً بآثار أرسطو والمذاهب الفلسفیة للیونانیین مثل السوفسطائیین و کذلک المتکلمین المسیحیین مثل أبي قرة (ن.ع) (ابن الندیم، 204، 205، 207؛ قا: القاضي عبدالجبار، ن.م، 254، 264-265؛ فرانک، 455).

ونوضح الان معتقدات أبي الهذیل في 4 أقسام:

 

1. الإنسان

ألف أبوالهذیل حول هذا الموضوع کتابین بعنوان الإنسان ماهو، وطول الإنسان ولونه وتألیفه (ابن الندیم، 204). وهو یعتبر - خلافاً لمعمر المعتزلي المعاصر له - الإنسان هذا الجسم الظاهر الذي یمتلک یدین ورجلین (الأشعري، 61، 329-332؛ قا: النجاشي، 2/374؛ ابن متّویه، 2/244). وهذا التعریف لایعتبر للإنسان أي نوع من الذات والماهیة. والعقل الذي هو في رأیه علامة البلوغ یشتمل علی جانبین: الأول، العلوم والإدراکات التي یمتلکها العقل بشکل اضطراري، ومنها: معرفة الله والدلیل الذي یقود إلیه، والعلم الذي یفرق به الإنسان بین الموضوعات الخارجیة. وقد غبر فان إس عن فکرة أبي الهذیل هذه بـ «الإثبات الفطري لله» («معرفة الله...»، 175-178). وکتب النوبختي، المتکلم الشیعي رسالة في الرد علی رأي أبي الهذیل هذا (ظ: النجاشي، 1/181). والثاني،هو المقدرة الاختیاریة علی کسب العلم (الأشعري، 312، 480؛ البغدادي، الفرق، 78؛ قا: مانکدیم، 48-51). ویری أبوالهذیل أن الطفل وبعد أن یعرف نفسه یجب أن یحاط من الناحیة العقلیة علماً في الفور بجمیع المعارف المتعلقة بالتوحید والعدل والأوامر الإلهیة، ومن الناحیة النقلیة یجب أن یستمع إلی الأخبار ذات الحجیة، بحیث إنه إذا لم یقم بذلک، ثم مات بعد وقفة زمنیة، فإنه یموت في حالة الکفر و معاداة الله، ویکون مستحقاً للخلود في النار. وفي الحقیقة فإن هذا المعتقد هو نفسه معتقد الأزارقة (ن.ع) مع اختلاف یسیر (البغدادي، ن.ص؛ قا: الأشعري، 89).

وفیما یتعلق بالمعارف النقلیة، فإنه یعتقد أن خبر الأشخاص الأقل من 4 لا یؤدي حتی إلی الظن. وبدلیل الآیة 65 من سورة الأنفال، فإن خبر 20 شخصاً مؤمناً یتمتع بالحجیة فیما إذا کان أحدهم من أهل الجنة. وأما أخبار الکفار والفسقة فلیست لها الحجیة وإن بلغت درجة التواتر (القاضي عبدالجبار، «فضل»، 301؛ البغدادي، ن.م، 77). وقد واجهت عقیدته هذه التي تشبه إلی حدما عقیدة النظام (ن.م، 87) معارضة ابن الراوندي (ص 161-162) و البغدادي (ن.ص). وأجاب الخیاط في معرض قبوله لقسم من انتقادات ابن الراوندي علی إشکالاته (ص 161-163).

وقد ألف أبوالهذیل کتاباً (ابن الندیم، ن.ص) في مسألة استطاعة الإنسان المرتبطة بمبحث العدل الإلهي (مانکدیم، 390؛ ابن حزم، 3/33). وقد کان أبوالهذیل یعتقد بالاستطاعة خلافاً لوجهة النظر الجبریة، إلا أنه لایعتقد بـ «الاستطاعة مع الفعل، لاقبله» کالسلفیین ولابـ «الاستطاعة قبل الفعل ومعه» کبِشر بن المعتمر وضار بن عمرو. کما أنه لم یکن یربط الصحة والسلامة بالاستطاعة خلافاً لهشام بن الحکم، ولم یکن یعتبر الاستطاعة هي نفس المستطیع کالنظام (ابن قتیبة، 54-44؛ الأشعري،42-43؛ ابن حزم، 3/33-34؛ قا: الأشعري، 229؛ الناشئ الأکبر، 95). وفي هذا المجال، یری أن من الواجب فیما یتعلق بالاستطاعة (التي هي عرض) التفریق بین أعمال القلب والجوارح، ذلک لأن هذین النوعین من الأعمال یختلفان عن بعضهما من ناحیة الاستطاعة. وبعبارة أخری، فإن عمل القلب لایؤدی بعدم القدرة، والاستطاعة مقترنة بالفعل دوماً، خلافاً لعلم الجوارح حیث لاتقترن الاستطاعة بالفعل أبداً ومن الضروري أن تزال مع أول نقطة ینطلق الفعل منها (أبوالقاسم البلخي، 69؛ البغدادي، ن.م، 77-78؛ ابن حزم، 3/34؛ الشهرستاني، الملل، 1/54).

ویری أبوالهذیل أن الإنسان کائن مختار لأنه «لایوصف البارئ بالقدرة علی شيء یقدر علیه عباده، ومحال أن یکون مقدور واحد لقادرین» (الأشعري، 549، قا: 510)، إلا أن رأیه حول عالم الآخرة علی العکس تماماً، ویعتقد بدن الإنسان لیس له أي اختیار هناک (أبوالقاسم البلخي، ن.ص؛ الشیخ المفید، أوائل ...، 67؛ الشریف المرتضی، رسائل، 2/141؛ الأشعري، 552؛ البغدادي، الملل ...، 89-90). وقد رد ابن الراوندي هذه العقیدة (ص 128-129)، ودافع عنها الخیاط (ص 70-71).

ویقسم أبوالهذیل باعتبار آخر أفعال الإنسان إلی فعل مباشر، وآخر متولد، وهو الآثار المتولدة من فعل الإنسان، مثل حرکة السهم المتولدة من سحب القوس بواسطة الرامي (الأشعري، 402). وهو من هذه الناحیة یقسم أعمال الإنسان إلی قسمین، ویقول: إن کل شيء یولد من عمل الإنسان، ویعرف الإنسان کیفیته، علینا أن ننسبه إلی الإنسان، وأما الأعراض مثل اللذة و الألوان و الروائح والطعوم والحرارة والشجاعة والإدراک والعلم الحادث في غیره عند فعله، لایعلم الإنسان کیفیتها، فإنا کلها من عمل الله، لا الإنسان (م.ن، 402-403). وقد انتقد ابن الراوندي (ص 130) رأي أبي الهذیل هذا، وأجاب الخیاط (ص 76-78) علی إشکالاته بطرح فرضیات مختلفة حول فاعل هذا النوع من الأعمال.

ومن وجهة نظر أبي الهذیل لایوجد أي عمل مباح، فأعمال الإنسان إما طاعة وإما ذنب. والإیمان هو جمیع الطاعات فرضها ونفلها. وتدل عقیدة أبي الهذیل و هي: أن الکبائر نوعان: فبعضها کفر، وبعضها مالیس بکفر، علی أنه کان له تفسیر خاص للمنزلة بین المنزلتین. وإذا ما رد شخص عقیدة مجمع علیها، أو شبّه الله بمخلوقاته و اعتبره جسماً، أو اعتقد بأن الله کلف الإنسان بأعمال لایطیقها، فإنه کافر من وجهة نظره (الأشعري، 266-267، 477؛ مانکدیم، 707؛ الشیخ الطوسي، تمهید ...، 293؛ أبوحیان، البصائر، 4/253؛ ابن عقیل، 1/55- 56).

ویری أبوالهذیل کما هو حال بعض فرق الإباضیة (ن.ع) أن الإنسان قد یعمل علملاً ولکنه لایتوي فیه التقرب إلی الله و طاعة أمره، ومع ذلک فإن عمله هذا یعد طاعة. وکان قد کتب في هذا المجال کتاباً (أبوالقاسم البلخي، 69؛ الأشعري، 105؛ ابن الندیم، 204؛ البغدادي، ن.م، 79، الفرق، 62). وقد رد ابن الراوندي هذا الرأي (ص 129-130)، ودافع عنه الخیاط (ص 72-75)، وانتقد البغدادي (ن.م، 75-76) الخیاط لدفاعه هذا معتبراً رأي أبي الهذیل فضیحة.

وفیما یتعلق بالأجل، یری أبوالهذیل أن کل إنسان یموت موتاً طبیعیاً، أو یقتل فإنما مات بدجله. وإذا ماکان مقتل إنسان مقدراً، إلا أن قاتلاً لم یقتله، فإنه سیموت في الزمان المقدر نفسه. ولم یستحسن القاضي عبدالجبار (ظ: مانکدیم، 782-783) هذا الرأي (أیضاً: ابن متویه، 2/411؛ ابن حزم، 3//119؛ الحمصي، 1/356).

 

2. الجسم والجوهر والعرض

ألف أبوالهذیل کتاباً في هذا المجال (ابن الندیم، ن.ص). وهو یری أن الجسم شيء یشتمل علی 3 أبعاد هي الطول والعرض و العمق. وتشبه عقیدته هذه - مع اختلافات جزئیة - عقیدة ذیمقراطیس الفیلسوف الیوناني الذي کان یعتبر الجسم بمثابة بناء یتکون من أجزاء وأسس متناهیة ومحدودة لاتتجزأ بحد ذاتها. ویری أبوالهذیل أن أصغر وحدة یمکن تسمیتها بالجسم تتشکل من 6 أجزاء لاتقبل القسمة (الجوهر الفرد) وتتماس مع بعضها (وهو الرأي الذي کان أرسطو قد رده). ومن المحتمل أن یکون قد افترض لهذا البناء شکلاً ذا 6 سطوح یتکون من هرمین. والجوهر الفرد لیس جسماً، ویفتقد الطول والعرض والعمق، ولایقبل سوی العرَضَین الحرکة والسکون وما یلزمهما، أي المجامعة والمفارقة، وبالتالي الهیئة والشکل (الأشعري، 302-303، 307، 311-315؛ فان إس، «تأثیر تفکر...»، 334؛ قا: عضدالدین، 185؛ پینیس، 8-9؛ أرسطو، 2/607). ومن خصائص الجوهر الفرد الأخری أن من الممکن أن یفصله الله عن الأجزاء الأخری بحیث تراه الأنظار، أي أن یخلق الله فینا رؤیة له وإدراک له (الأشعري، 314-315؛ قا: پینیس، 12-13). ولم یأخذ بعض المتکلمین والکثیر من الفلاسفة برأي أبي الهذیل حول الجوهر الفرد، وأوردوا استدلالات مختلفة لرده. ویعتبر إبراهیم بن سیار النظام (ن.ع) الذي تنسب إلیه عادة عقیدة غیر متناهیة الأجزاء بالفعل للجسم، من أول الأشخاص الذین انتقدوا عقیدة أبي الهذیل هذه، وبالغ في الرد علیها. وقد ذکرت بعض المصادر مناظرة بینهما وضح فیها أبوالهذیل جدلاً شبیهاً بجدل زینون في نفي الحرکة للرد علی عقیدة النظام المذکورة، حیث طرح النظام مسألة الطفرة هرباً من الإشکال (القاضي عبدالجبار، «فضل»، 26؛ ابن المرتضی، 152؛ قا: أرسطو، 2/713-714).

وتنسب بعض المصادر عقیدة أخری للنظام تفید بدنه کان یعتقد بالتقسیم اللانهائي للأجزاء ولکن لا بالفعل، بل في الوهم والقلب (الخیاط، 55؛ أبوریدة، إبراهیم...، 119-129؛ پینیس، ن.ص، ها 4).وعلی هذا الأساس، فإن علینا أن نعتبر المناظرة المذکورة مختلقة (ظ: ن.د، إبراهیم بن السیار). ولایؤید أبوالهذیل طروء حرکتین علی جوهر فرد واحد. وقد رد أبوعلي الجبائي فیما بعد علی هذه العقیدة (الأشعري، 319). والجسم من وجهة نظر أبي الهذیل لایخلو أبداً من الأعراض، رغم أن هناک أعراضاً لاتوجد في الجسم (م.ن، 311-312، 369). وخلافاً للنظام الذي کان یؤمن بعرض واحد (حرکة) (م.ن، 347) فإن أبا الهذیل کان یعتبر أشیاء مثل الحرکة والسکون و الوقوف و الجلوس والاجتماع والافتراق والطول والعرض و الألوان والطعم والروائح والأصوات والقول والسکوت والطاعة والذنب والکفر والإیمان و ما إلی ذلک أعراضاً (م.ن، 345). وبالطبع فإن مصطلح العرض هنا یختلف اختلافاً کبیراً عن العرض الأرسطوئي (پینیس، 24-25). وهو یری أن من الممکن أحیاناً أن یکون عرضان في مکان واحد، إلا أنه وخلافاً للنظام لایجیز أن یکون جسمان أو عدة أجسام في موضع واحد (الأشعري، 328). والبقاء و الفناء من وجهة نظره عرضان، و هما قول الله الغني عن المکان (لافي مکان)، حیث یخاطب الشيء قائلاً: إبقَ، أو إفنَ، ویرفض أبوالهذیل الفکرة القائلة بأن الأعراض لاتبقی في آنین، ویری أن هناک مجموعة من الأعراض تبقی، فیما هناک مجموعة أخری مثل الحرکة وإرادة أهل الجنة (ظ: تتمة المقالة) لاتبقی (م.ن، 358-359، 366-367؛ أیضاً ظ: البغدادي، أصول...، 50-52).

وفیما یتعلق بالحرکة والسکون، یری أبوالهذیل - خلافاً للنظام الذي کان یعتبر جمیع الأجسام متحرکة - أن هذین العرضین موجودین حقیقة (الأشعري، 325). والحرکة هي انتقال الجسم من المکان الأول وخروجه منه. والسکون عبارة عن توقف الجسم في زمانین وفي مکان واحد (م.ن،355؛ البغدادي،الفرق، 96). وبالطبع فإن من الممکن أن تفقد بعض الحرکات المبدأ والغایة (الأشعري، 322-323). کما رفض الطفرة في مواجهة النظام الذي کان یعتبر الحرکة السریعة والبطیئة مرتبطتین بقلة، أوزیادة الطفرات، وهو یری أن من المحال أن یجتاز الجسم مکاناً دون أن یجتاز مکانه السابق. وهو یحل هذا الإشکال قائلاً: «إن الجسم قد یسکن بعضه و أکثره متحرک، وإن للفرس في حال سیره وقفات خفیة وفي شدة عدوه مع وضع رجله ورفعها، ولهذا کان أحد الفرسین أبطأ من صاحبه» (م.ن، 321-322).

 

3. الله وصفاته

کان مبحث «الله» وصفاته و خصوصاً الکلام الإلهي یمثل أحد أکثر النقاشات جاذبیة في مجالس المناظرة التي کانت منتشرة بشکل واسع في البصرة و بغداد، إلی درجة أن هذه المسألة کانت تجتاز حلقات الدرس والمحاورة لتدخل مجال الألعاب السیاسیة، وتفتبیش العقائد. ونحن نلاحظ ذروة هذه الظاهرة في حادثة «المحنة»، وکیف أن معتقدات المعتزلة أدت بعد توغلها في جهاز الحکم إلی سجن وجلد أصحاب الآراء من المذاهب الأخری التي لم تکن تؤمن بخلق القرآن، وکیف أرادت السلطة العباسیة أن تتحکم بضمائر الناس ومعتقداتهم أیضاً. وعلی أیة حال، فإن الملاحظة البارزة التي یمکن الحصول علیها من خلال النقول المتفرقة هي أن أبا الهذیل تناول صفات الله وعلاقته بالذات (ظ: قسم الإنسان في هذه المقالة)، أکثر من تناوله لأسالیب إثبات وجود الله، ذلک لأنه کان یعتبر العلم بالله اضطراریاً. وهو لایعتبر معرفة الله معرفة حسیة، بل یری أن معرفة الله یجب أن تتم بنظر العقل ومن خلال مخلوقاته (الخیاط، 13). وأما رأیه حول الصفات فهو مثل رأي أصحاب مذهبه الآخرین الذین کانوا ینفون الصفات القائمة بالذات القدیمة، کي یثبتوا وجود واحد وبسیط لایناظره أي شيء حتی صفاته بالذات في القِدَم، ولذلک فإن صفات الله لیست منفصلة عن الذات. وهو لایری أیة کثرة في الذات أبداً، بل یری أن جمیع صفات الله هي عین ذاته ویقول: «إن للّه علماً هو اللّه، وللّه قدرة هي اللّه». وهکذا الحال بالنسبة إلی الحیاة و البصر و المسع و العظمة والجلال والکبریاء و القِدَم و العزة، وصفات الذات الأخری (الناشئ الأکبر، 88؛ أبوالقاسم البلخي، 69؛ الأشعري، 165، 180، 183، 188، 189، 218). وقد شبه البعض عقیدته هذه برأي أنباذقلس (ظ: صاعد، 72-73، الذي أورده باسم بندقلیس). وبذلک، یسعی أبوالهذیل لأن ینزه الله عن أي نوع من الشبه بمخلوقاته و خصوصاً الإنسان (التشبیه و التجسیم)، هو البارئ بکل مکان بمعنی أنه مدبر لکل مکان و أن تدبیره في کل مکان (الأشعري، 157). وقد کان یعتبر نفي الرؤیة عن الله واجبة (ظ: مانکدیم، 262). ویری مایراه المعتزلة أن الله لایُری بالعین المجردة، ولکن تمکن رؤیته یعین القلب (الأشعري، ن.ص؛ قا: مانکدیم، ن.ص).

وقد تناول أوبالحسن الأشعري بالنقد وجهة نظر أبي الهذیل حول الصفات و ینقض أقواله بالإشارة إلی هذه الملاحظة و هي أن أبا الهذیل لایری الصفات عین الذات و لاغیرها، مستعیناً في ذلک بنفس استدلالات أبي الهذیل إزاء الثنویین. و یری الأشري أن آراء أبي الهذیل في هذا المجال مستقاة من أفکار أرسطو (ص 484-486؛ قا: الشهرستاني،نهایة...، 180)، إلا أن هذا الرأي لایری في أي من کتب أرسطو (ولفسون، 229-228؛ قا: فرانک، 455، ها 12) . وبذلک یبدو أن هدف أبي الهذیل من الصفات أن یبین الله بصورة الواحد مطلقاً وفي وحدة وجوده الکاملة، بحیث کلما تحدثنا عن کمالات وجود الله، أوصفات وجوده وحملناها علیه بصورة أوصاف متعلقة به حقیقة، فإن ذلک المعنی الذي تدل علیه إحدی الصفات هو الله ذاته تماماً في نفس الکمال الذي هو وجوده. وعلی أیة حال فإنه یرید أن یثبت الحقیقة الوجودیة للصفات التي ذکرها القرآن الکریم لله دون أن تتضمن أي نوع من الانقسام، أو الکثرة في وجود الله. وبناء علی ذلک، فإنه یثبت حقیقة الله فقط بأن یکون لتعبیرات مثل «الله عالم» و «الله قادر» وغیرها معنی واحد وأن لایشار إلی وجود کمالات وأفعال متفاوتة ومنفصلة عن بعضها، بل أن تدل علی الله نفسه فقط (م.ن، 459).

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: