أبو نظارة
cgietitle
1443/1/14 ۲۲:۰۸:۵۴
https://cgie.org.ir/ar/article/235807
1446/9/3 ۲۰:۱۶:۴۵
نشرت
5
أَبو نَظّارَة، یعقوب بن رافائیل صَنوع، أو جاک (جیمس) سانوا (4 ذي الحجة 1255- 18 شوال 1330هـ/ 8 شباط 1840-30 أیلول 1912م)، صحفي یهودي و ناقد سیاسي- اجتماعي و کاتب و مسرحي ومن رواد الأسلوب الفکاهي الساخر في صحف مصر، و منشئ صحیفة أبونظارة المعروفة التي أُطلق اسمها فیما بعد علیه أیضاً ولد في القاهرة (طرازي، 2/283؛ البستاني، 5/155). کانوالده من أسرة یهودیة (ظ: طرازي، ن.ص) وإیطالیة (عوض، 1/268)، وهاجر إلی مصر و تزوج في القاهرة من امردة یهودیة باسم سارة (ن.ص). ویبدو أنه کان یعمل مستشاراً في البلاط لدی الأمیر أحمد یکن ابن أخت محمدعلي باشا (حکـ 1220-1264هـ/ 1805-1848م) (م.ن، 1/271). جاء في مذکرات أبي نظارة أن والدته شرفته بالإسلام عند ولادته بسبب النذر الذي کانت قد تعهدت به (ظ: م.ن، 1/270)، إلا أننا نعلم أنه بقي علی یهودیته.
انشغل أبونظارة منذ طفولته بتعلم التوراة ثم تعلم الإنجیل والقرآن (طرازي، ن.ص). وقد قیل فیما یتعلق بذکاء وذاکرته إنه کان ینظم الشعر في سن التاسعة بثلاث لغات العربیة والأیطالیة والفرنسیة، وإنه کان یقرأ في سن الثانیة عشرة القرآن بالعربیة والتوراة بالعبریة والإنجیل بالإنجلیزیة، کما کان قد تعلم الترکیة في البیت والتي کانت لغة الحکم والذدارة. تم إرساله في سن الثانیة عشرة مع مجموعة إلی إیطالیا علی نفقة الأمیر یکن (عوض، 1/271-273). وانشغل بالدراسة من 1852 و حتی 1855م في لیفورنو (طرازي، عوض، ن.صص؛ جودائیکا، XIV/ 849-850).
ولاشک في أن أبا نظارة تأثر کثیراً بحرکات التحرر الإیطالیة وخصوصاً الجمعیات السریة مثل «الماسونیة» و«إیطالیا الفتاة». عاد إلی مصر في أوائل حکم محمد سعید باشا (حکـ 1854-1863م)، إلا أن موت حامیه الأمیر یکن أولاً، ثم موت أبیه قد أدیا إلی اضطراب أحواله إلی درجة أنه انشغل في تدریس اللغات الأجنبیة لأبناء رجال البلاط والأعیان من أجل أن یقیم أوده (طرازي، ن.ص)، وأمضی 8 سنوات علی هذه الشاکلة حتی 1863م حیث تولی الخدیوي إسماعیل (حکـ 1863-1879م) عرش مصر. في هذه السنة اختیر أستاذاً في مدرسة «المهندسخانه» و عمل فیها 6 سنوات. وتعد هذه الفترة بالغة الأهمیة في حیاته، ذلک لأنه استطاع خلالها أن یتعرف علی الکثیر من الشباب وخصوصاً طلّاب الهندسة والعلوم العسکریة و الحقوق والإدارة، وأن یحیي في قلوبهم روح الوطنیة وحب الحریة والمدنیة وحقوق الإنسان (عوض، 1/274-275).
وبعد ذلک اتجه أبونظارة تدریجیاً إلی الکتابة و بدأها بکتابة المسرحیة. وفي 1870م أسس بدعم وتشجیع من الخدیوي إسماعیل أول صالة عرض مسرحي عربیة في القاهرة (طرازي، البستاني، ن.صص)، إلا أنه بدأ شیئاً فشیئاً بطرح مبادئ الدیمقراطیة الغربیة الحدیثة في مسرحیاته، وبطبیعة الحال فإن ذلک لم یکن یتماشی مع سیاسة السلطان العمیل والمستبد. ولذلک فقد کف الخدیوي إسماعیل ورجال البلاط عن دعمه، وتوقف أخیراً نشاطه الفني في 1872م (عوض، 1/281-282؛ جودائیکا، ن.ص)، إلا أنه کان قد نجح حتی ذلک الحین في أن یعرض 32 مسرحیة (طرازي، ن.ص؛ هیورث دن، 309-315). وبالطبع فإن أبا نظارة لم یقف مکتوف الأیدي، فقد أسس في نفس السنة التي توقفت فیها أعماله المسرحیة، جمعیات علمیة باسم «محفل التقدم» و «جمعیة محبي العلم» و تولی بنفسه رئاستها (طرازي، 2/283؛ سرکیس، 1/349). یقول عوض: کانت هذه الجمعیات سریة وقد کان الهدف من تأسیسها نشر الثقافة المعاصرة وإیجاد الوعي في القضایا الاجتماعیة و السیاسیة بین الشباب، دون الالتفات إلی دینهم و قومیتهم، ویشف قائلاً: کان الطلاب و لاضباط و القساوسة و رجال الدین الیهودي یشکلون غالبیة أعضاء هذه المحافل، وکانوا یلقون فیها محاضرات في التاریخ و السیاسة والأدب والثقافة. وقد کانت هذه المحاضرات تدور في الأغلب حول تاریخ فرنسا و خاصة ثورتها و أیضاً تاریخ إیطالیا و خصوصاً حرکة الوحدة الإیطالیة وکفاح ماتسیني وغاریبالدي (1/286). وقد ساء ظن الخدیوي إسماعیل بمحافله الفتیة أیضاً وأجبره علی أن یوقف کل النشاطات (م.ن، 1/287). والتحق أبونظارة بعد ذلک بالمحافل الماسونیة وانضم إلی عضویة جمعیة «نجمة (کوکب) الشرق» (م.ن، 1/289؛ أیضاً ظ: شلش، 224).
وفیما بین سنوات 1874-1875م سافر أبونظارة في مهمة ثقافیة إلی إیطالیا تحاشیاً لغضب الخدیوي و انشغل هناک مرة أخری بدراسة الأوضاع السیاسیة للإیطالیین و أخلاقهم. وقد بعثت فیه التطورات في أوروبا حماساً دفعه إلی أن یحاول أن یجعل بلده مصر یتمتع هو أیضاً بهذه التطورات (طرازي،ن.دص). وبعد عودته إلی مصر، تم التوسط بینه و بین الخدیوي إسماعیل، فدخل البلاط مرة أخری (عوض، 1/287)، إلا أنه وبمجرد أن اکتشف أن الخدیوي و مسؤولي الحکومة الاخرین مایزالون لایعیرون أهمیة القتصاد مصر و حقوق الشعب و حریته، بادر ثانیة إلی انتقادهم، وأدان جهاز حکم الخدیوي و فساد رجال الحاشیة (م.ن، 1/294). وکانت خطوته التالیة إصدار صحیفة بالتعاون مع جمالالدین الأسدآبادي و محمد عبده و التي عادت علیه بعنوان «أبونظارة»، وبمنزلة وشهرة واسعة في نفس الوقت (طرازي، ن.ص؛ أیضاً ظ: عوض، 1/295). وقد ضمه هذان العالمان السیاسیان إلی حلقة الأزهر دون الالتفات إلی دینه، وقاداه إلی طریق السیاسة و الأدب. ولأنه کان رجلاً یمیل إلی المزاح و الفکاهة، فقد شجعاه علی نشر المواضیع الفکاهیة (مشیري، عد، 73، ص 17). وبالطبع فإن هؤلاء الثلاثة کانوا یرومون من خلال إصدار هذه الصحیفة إلی نقد مارسات الخدیوي إسماعیل بلغة الفکاهة (هیورث دن، 310؛ طرازي، 3/8).
وفیما یتعلق بکیفیة اختیار اسم الصحیفة هناک قصة طریفة، فیبدو أن شخصاً نادی في الشارع علی یعقوب الذي کان یضع نظارة خضراء، أوزرقاء باسم أبوالنظارة الزرقاء، فما کان منه إلا أن اختار هذاالاسم عنواناً للصحیفة (م.ن، 3/8-9؛ سرکیس 1/350). ومهما یکن من أمر، فقد صدر العدد الدول من الصحیفة في 21 آذار 1877 (طرازي، ن.ص)، أو 5 نیسان مننفس السنة (البستاني، 5/155). وقد استخدمت في هذه الصحیفة لأول مرة اللغة الدارجة للریف المصري (EI2؛ طرازي، 2/284؛ هیورث دن، ن.ص) و التي کانت تتلاءم أکثر بالطبع مع الحکایات والنکات الفکاهیة. ومن الواضح أن ممارسات الحکومة وخدیوي مصر کانت الهدف الأول لسهام النقد اللاذعة والساخرة لهذه الصحیفة (البستاني، ن.ص؛ جودائیکا، ن.ص). وقد استمرت هذه الانتقادات إلی درجة أن الخدیوي إسماعیل لم یعد یطیقها وأصدر أمراً بتعطیل الصحیفة التي کانت قد بلغت لتوها العدد الخامس عشر، وبعد فترة أو عز إلی قنصل إیطالیا بدن یطرد أبانظارة من مصر لدنه کان محتمیاً بتلکل الدولة (طرازي، ن.ص). وأخیراً أُخرج أبونظارة من مصرفي 22 حزیران 1878 وأبحر من الإسکندریة إلی میناء مارسي في فرنسا(عوض، 1/298)، وشیّعه الالاف من الناس حتی المیناء (طرازي، 2/284؛ أیضاً ظ: عوض، ن.ص). وفي فرنسا انشغل لفترة في تعلیم الرسم و الحساب و اللغة العربیة، إلا أنه لم یمض وقت طویل حتی أصدر صحیفةبعنوان رحلة أبي نظارة زرقاء، وقد کانت في الحقیقة استمراراً لصحیفة أبونظارة زرقاء، وأخذ یهاجم من جدید إسماعیل و سیاساته (ن.صص). وفي هذهالمرة طعّم ولأول مرة الصحافة العربیة الفکاهیة بالکاریکاتور (عوض،1/301). وأمر إسماعیل بجمع نسخ الرحلة في مصر، ومنع قراءتها (طرازي،ن.ص).و إن منع إسماعیل لدخول هذه الصحیفة مصر و مقاطعتها دفع أبا نظارة لإرسال صحیفته بشکل سري إلی مصر (جودائیکا، ن.ص؛ عوض، 1/299). وبذلک ظلت صحیفة أبونظارة تصل إلی محبیها الکثر ولکن بصعوبة وبعدد قلیل (هیورث دن، ن.ص).
وفي خلال السنوات من 1879 إلی 1885 م استطاع أبونظارة أن ینشر آراءه و أفکاره عبر تغیر اسم الصحیفة إلی النظارات المصریة وأبوصفارة وأبوزمارة والحاوي و الوطني المصري، إلا أنها سمیت مرة أخری أبونظارة منذ 1885م و حتی نهایة إصدارها، أي في 31 کانون الدول 1910 (طرازي، 2/286). علی أیة حال فقد عزل إسماعیل في 24 حزیران 1879ونصب مکانه توفیق في 26 حزیران من نفس السنة (عمون، 221)، وکان أبونظارة ینظر أیضاً بعین الریبة إلی توفیق الذي کان للإنجلیز ید في وصوله إلی الحکم (عوض، 1/86-87)، وکان یعتبر الدمیر حلیم، نجل محمد علي أجدر بخلافة إسماعیل (شلش، 224؛ عوض 1/307-308). اعتبر أبونظارة بعد سیطرة الإنجلیز علی مصر في 1882م، والقضاء علی ثورة أحمد عرابي باشا (ظ: عمون، 223-225) الذي کان یدافع عنهدوماً (شلش، 81؛ عوض، 1/306)، الخدیوي توفیق مسؤولاً عن انتصار الإنجلیز في التل الکبیر (م.ن،1/307). ومنذ ذلک الحین فصاعداً وجه أبونظارة هجومه بشکل رئیس إلی بریطانیا (جودائیکا، ن.ص).
ذهب جمالالدین الأسدآبادي بعد نفیه من مصر (ظ: نراقي، 1/200، 205) إلی باریس في شتاء 1883م و نشر أبونظارة نبد وصول جمالالدین إلی باریس، وأعلن في نفس الوقتبدن السید جمالالدین سوف یتعاون بعد ذلک مع صحیفة أبونظارة (عوض 1/175). وإثر هذا التعاون، اتهم أبونظارظ واسید جمالالدین بأنهما قد أثارا الرعب في نفوس الممثلین السیاسیین لبریطانیا في القاهرة و هددا حکام مصر بالقتل. وفي تاریخ 22 أیار 1883 دخبر إدوارد مالت الممثل السیاسي لبریطانیا في القاهرة في رسالة خاطب فیها وزیر خارجیة بلاده بإرسال رسائل تهدید خوطب فیها هو والسیر إفیلین وود من قبل جمعیة تحمل اسم «المرابطة الوطنیة المصریة» (ظ: مشیري، عد 83، ص 18).
کان أبونظارة یأمل في البدء أن لایطول تواجد الإنجلیز في بلده کثیراً، إلا أنه بعد أن أدرک أنهم ینوون البقاء، سعی إلی أن یجر قضیة مصر إلی الأوساط الدولیة وأن یخرج الإنجلیز من مصر بمساعدة معارضیهم وخصوصاً فرنسا والحکومة العثمانیة (عوض، 1/309؛ جودائیکا، ن.ص). وفي 6 حزیران 1891 ذهب إلی إستانبول لکي یتحدث مع السلطان عبد الحمید (عوض، 1/312). وقد ددی هذا السفر إلی أن یکتسب شیئاً فشیئاً حکم سفیر صداقة بین فرنسا و الحکومة العثمانیة، ذلک لأنه کان في هذا اللقاءقد نقل تحیات عبدالحمید إلی کارنو رئیس جمهوریة فرنسا. وفي 1899م کان أیضاً واسطة صداقة بین عبدالحمید ولوبیه الرئیس الفرنسي الآخر (طرازي، 2/286). وفي 1901م و علی إثر سفر الخدیوي عباس الثاني (حکـ 1892-1914م) إلی فرنسا، التقاه أبونظارة ووعده الخدیوي بأنه سیتمتع بالحریة الکاملة إذا ماعاد إلی مصر، إلا أن أبا نظارة ربط عودته بتحرر مصر من قبضة الإنجلیز (م.ن، 2/284-285). وفي 1904م ذهب الأمل الذي کان أبونظارة قد علقه علی فرنسا أدراج الریاح. ففي تلک السنة اتفقت بریطانیا و فرنسا علی أن لاتقف الأخیرة عقبة في وجه بریطانیا في مصر،وأن لاتحدث بریطانیا بدورها تغییراً في الأوضاع السیاسیة للبلاد، وتؤید مطالب فرنسا في المغرب الأقصی (ظ: عمون، 228). وأصیب أبونظارة بالإحباط والقنوط فاعتزل منذ ذلک الحین النشاطات السیاسیة (جودائیکا، ن.ص).وأصدر عباس باشا مرسوم العفو عن أبي نظارة علی إثر سفر آخر له إلی أوروبا (عوض، 1/314).
وفي 1905م أقیمت مراسم تکریم لأبي نظارة بمناسبة الذکری الخمسین لنشاطاته الأدبیة – التعلیمیة (طرازي، 2/285). وقد کان أول صحافي عربي ینال هذه المکرمة أثناء حیاته (ن.ص). وعلی إثر الإعلان عن قیام الدستور و الموافقة علیه في الدولة العثمانیة 1908 م سافر أبونظارة إلی إستانبول للمشارکة في الاحتفالات الوطنیة للأتراک وفقد بصره شیئاً فشیئاً عند عودته إلی باریس. وفي 31 کانون الأول 1910 أصدر العدد الأخیر من جریدة أبونظارة التي استمرت 34 عاماً، وتوفي في باریس بعد سنتین.
إن الدین الیهودي وحب اللغة العربیة و معرفة الإسلام و النزعة إلیه والشعور الوطني والمیل بین الحین و الآخر إلی جانب الغرب و ترکیا، کل ذلک جعل من أبي نظارة شخصیة متشعبة ومعقدة للغایة إلی درجة أن النقاشات و التحلیلات المختلفة حوله لمتصل بعد إلی نتائج حاسمة، فمیوله الغربیة و الوطنیة وحبه للإسلام قد یصل في بعض الأحیان إلی درجة من الشدة بحیث لایترک مجالاً لمیله إلی الدین الیهودي. ویدل دعمه للحرکة الوطنیة في مصر وثورة عرابي باشا علی تعلقه الشدید بمصر، کما أن مواقفه في الدفاع عن الإسلام الذي کان یعتبره بدوره دین التسامح (عوض، 1/315)، کانت تشیر إلی حبه للدین الإسلامي. یقول شلش: إن صنوع کان من أشد الیهود بعداً عن الیهود بالمعنی العشائري، أو الإیدیولوجي (ص 172). وبالطبع فإنه لم یقطع ارتباطه بشکل کامل بالأقلیة الیهودیة (عوض، ن.ص)، فنحن نعلم أنه کان علی علاقة مستمرة مع عدد من الأسر الیهودیة في باریس (ظ: م.ن، 1/270-271).
وبالطبع فإن هذه الأوضاع أثارت آراء متناقضة کثیرة. ففیما یتعلق بحسه الوطني فقد أثیرت بعض الاعتراضات علی مواقفه. وعلی سبیل المثال فإن من لم یکونوا یؤمنون بالخلافة الموحدة، أو وحدة الدول الإسلامیة کانوا یرون أن منطق إسماعیل کان أقرب إلی المفهوم الوطني رغم بعض أخطائه (م.ن، 1/297)، ذلک لأنه کان یسعی للحصول علی الاستقلال من الباب العالي. وکان یثیر من أجل تحقیق هذا الهدف الصحافة والرأي العام في مصر ضد الحکومة العثمانیة و الخروجعن طاعة السلطان (م.ن،1/100). أما دلیلهم الآخر فهو معارضة إسماعیل لإشاف الأجانب علی إدارة الشؤون المالیة لمصر (ظ: عمون، 221)، وتأیید أبي نظارة لهذا الإجراء (عوض، 1/296-297). وقد کانوا یعترضون علی أبي نظارة إظهاره في کتاباته للمشرفین الأجانب في مظهر حسن و عطوف و حریض علی مصالح الشعب، في حین أن إسماعیل کان یرید من خلال وضع العراقیل أن یزیل مقدمات إشرافهم علی الدوائر السیاسیة للبلاد (م.ن، 1/297). ومن جهة أخری فقد کانت وجهة نظر أبط نظارة مختلة عن الوطنیین المصریین الآخرین مثل عبدالله ندیم صاحب جریدة اللطائف. فقد کان أبو نظارة ینتقد موقف الأشخاص الذین یثیرون الشغب ضد الأجانب بغیر حکمة وکان یری أن خلق الإحساس بالنفور یجب أن یترکز علی الأعداء فقط، لاجمیع الأجانب (م.ن، 1/303). وبالطبع فإن هذا اللون من التفکیر یدل علی میله إلیه فرنسا و عدائه لبریطانیا (ظ: عنایت، 42).
وفمیا یتعلق بمواقف أبي نظارة إزاء الإسلام و الثوار المسلمین، فإن هناک أیضاً ملاحظات تستحق الاهتمام. فقد جاء في مقالة هیورث دن أن هذا الیهودي (أبونظارة) کان یسعی بشکل یبعث علی الدهشة في سبیل أن ینظم نشاطات الثوار المسلمین. فقد کان له دور في ثورة عرابي بمصر، والمهدي في السودان، وحرکة «ترکیة الفتاة» (ص 310)، ویقول في موضع آخر إن جریدة أبونظارة التي کانت توزع في جمیع أرجاء العالم الإسلامي أصبحت اللسان الناطق عن الوطنیین المصریین والاتحاد الإسلامي، واستقطبت جمیع الثوار المسلمین (ن.ص). وإذا ماصح هذا الکلام فلا مناص من طرح هذا السؤال و هو: کیف یمکن لرجل یهودي أن یبذل الجهود باتجاه الاتحاد الإسلامي وتوحید الثوار المسلمین؟ الإجابة الوحیدة التي تخطر علی الذهب لهذا السؤال هو اتفاق وجهة نظره مع الثوار المسلمین بقیادة السید جمالالدین في عدائه لبریطانیا و یرجح أن دعمه لثورة عرابي کان یصدر في الغالب عن مشاعره الوطنیة، رغم أن دعمه لعرابي الذي کانت ثورته تتنافي بشدة مع حکم الأتراک في مصر (ظ: عمون، 223-224) لم یکن ینسجم بدوره مع علاقات الصداقة التي کانت تجمع بینه و بین عبدالحمید، کما إن دعمه ثورة المهدي في لاسودان (هیورث دن، ن.ص) لایبرره، إلا عداؤه لبریطانیا، ذلک لأنها کانت تعمل علی القضاء علی المهدي (ظ: عمون، 225-228). ومن عجائبه الأخری تأییده لحرکة ترکیة الفتاة (1907م) والتي تُعد ثورة علی عبدالحمید (عوض، 1/315)، فقد کانت هناک علاقة صداقة بینه و بین عبدالحمید کما أسلفنا، رغم أن هذه الحرکة لایمکن وضعها بسهولة في نطاق الحرکات الإسلامیة لأن طابعها القومي کان یطغی علی طابعها الإسلامي (عنایت، المقدمة،13).
وفیما یتعلق بثورةعرابي باشا فقد أدیت أیضاً آراء سیئة النظرة للغایة، إلا أنه مما یلفت النظر هو معارضة عرابي للأتراک العثمانیین من جهة، وتأیید أبي نظارة له و یهودیة أبي نظارة ومیوله الشدیدة إلی فرنسا من جهة أخری. یقول المفکر المصري الشناوي إن ثورة عرابي کانت من تدبیر الصهاینة والغربیین، فقد کان الصهاینة یفکرون آنذاک في تأسیس وطن لهم في فلسطین بالتعاون مع بریطانیا وفرنسا، وتحقیق هذا الهدف کان یستلزم انهیار الدولة العثمانیة. وهو یری أن الهدف من ثورة عرابي کان فصل مصر عن الحکومة العثمانیة و هوما استمر من خلال ثورة الشریف حسین في 1916م وأدی إلی سقوط الدولة العثمانیة و قیام حکومة إسرائیل (ص 24). وإزاء هذا الرأي یدعي شلش أن أبا نظارة لم یکن یحمل أي تعصب و میول للتطلعات الصهیونیة، لدنه لم یمل إلی الصهیونیة إلا في أواخر عمره (ص 172). وإذا ما افترضنا صحة ما أثاره شلش فإن الشکوک والاتهامات ستزول عن أبي نظارة،ذلک لأن بدایة ثورة عرابي کان في 1881م (ظ: عمون، 223).
وفیما یتعلق بالدخل الذي کان أبونظارة یؤمّن من خلاله نفقات إصدار جرائده فلایوجد رأي واحد. وعلی سبیل المثال یقول عوض نقلاً عن میلو صنوع ابنة أبي نظارة: إنه کان یستلم منالدولة العثمانیة مقداراً من المساعدات المالیة کل شهر (1/301). إلا أن هذا الأمر یبدو مستحیلاً علی الأقل في خلال ثورة عرابيف استناداً إلی الأدلة التي ذکرناها فیما سبق، ومع کل ذلک فعوض نفسه یدعي أن هناک أموالاً کانت تتدفق علی أبي نظارة من جانب حلیم (1/195؛ أیضاض ظ: مشیري، عد 87، ص 18).
کان أبونظارة ماهراً إلی حد کبیر في الخطابة علی حد قول طرازي، وکان یحمل الغربیین علی الدهشة بفصاحة لسانه و مقدرته علی الاستدلال. ویقول هو نفسه إنه أبدع في اللغة الفرنسیة أسلوب النثر المسجع و استخدمه في مقالات و محاضرات کثیرة. وقد جُمع قسم من هذه الآثار في مجموعة تحت اسم «الدستور العثماني و أبطاله» (2/285).وبالإضافة إلی ذلک فقد نشر مقالات کثیرة علی هذا الأسلوب في الجرائد الفرنسیة مثل صحف لوتان ولوماتن ولوفیغارو (م.ن، 2/284؛ البستاني، 5/156).
آثاره: صدر من جریدته المعروفة أبونظارة 15عدداً علی شکل طبعة حجریة في مصر، فیما صدرت بقیة الأعداد في باریس باللغتین الفرنسیة والعربیة. ومن آثاره الأخری مجلة التودد و جریدة المنصف و کذلک جریدة الثرثارة المصریة التي کانت تصدر بثماني لغات (ن.صص). کانت آخر صحیفة له تسمی «العالم الإسلامي» والتي کانت تصدر باللغة الفرنسیة (عوض، 1/229؛ البستاني،ن.ص). وفضلاً عن هذه الجرائد فقد ترک عدة تصانیف: محامد الفرنسیین و وصف باریس، باریس، 1890م؛ رحلة أبي نظارة، وتمثل تفاصیل سفره إلی إستانبول في شهر ذي القعدة 1308/ حزیران 1891طبعة حجریة، 1309هـ/ 1892م مع ترجمة فرنسیة؛ البدائع المعرضیة بباریس البهیة، في وصف أوضاع فرنسا و وصف باریس، طبعة حجریة، باریس، 1899م؛ الأخوات اللاتینیات، نثر و نظم بعدة لغات أهداه إلی الرئیس الفرنسي لوبیه، باریس، 1905م؛ حسن الأشارة في مسامرات أبي نظارة، حول فرنسا و تاریخها، القاهرة، 1328هـ/ 1910م.
کما طبعت بعض من مسرحیاته أیضاض منها: السلاسل المحطّمة، باریس، 1911م؛ مولییر مصر ومایقاسیه، قصة فکاهیة حول المشاکل التي واجهها أبونظارة في تأسیس صالة العرض المسرحي في مصر، وقد طبعت أولاً بمساعي فیلیب طرازي في بیروت، (1912م)، وطبعت مرة أخری في بیروت ضمن مجموعة المسرحیات المختارة لأبي نظارة بمساعي محمد یوسف نجم (1963م). مسرحیاته الأخری التي جاءت في هذه المجموعة هي: بورصة مصر، کومیدیا؛ العلیل، کومیدیا؛ السواح والحمار، حوار قصیر؛ أبو ریدة البربري، أو أبو ریدة و کعب الخیر، کومیدیا؛ الصداقة، کومیدیا؛ الأمیرة الإسکندرانیة؛ الضرتین، کومیدیا. ویمکننا أننذک من بین مسرحیاته الأخری: فاطمة، باللغة الذیطالیة؛ الوطن و الحریة؛ غزوة راس تور؛ زوجة الأب؛ غندور مصرغ زبیدة؛ آنسة علی الموضة (ظ:ن.ص).
السبتاني؛ سرکیس، یوسف إلیان، معجم المطبوعات العربیة و المعریة، القاهرة، 1346هـ/1928م؛ شلش، علي، الیهود و الماسون في مصر، القاهرة، 1407هـ/ 1986م؛ الشناوي، فهمي، «السلطان عبدالحمید مظلوم» العالم، أکتوبر 1984م (1405هـ)، عد 34؛ طرازي، فیلیب، تاریخ الصحافة العربیة، بیروت، 1913-1914م؛ عمون، هند إسکندر، تاریخ مصر، القاهرة، 1341هـ/ 1923م؛ عنایت، حمید، سیري در أندیشۀ سیاسي عرب، طهران، 1358ش؛ عوض، لویس، تاریخ الفکر المصري الحدیث من عصر إسماعیل إلی ثورة 1919، القاهرة، 1406هـ/ 1986م؛ مشیري، علي، «سید جمالالدین»، خواندنیها، طهران، 1343ش، س 24، عد 83 و 87؛ نراقي فرخزاد، غلامحسن، مردان نامي شرق در دو قرن أخیر، بیروت 1929م؛ وأیضاً:
EI2; Heyworth- Dunne, J., «Society and Politics in Modern Egyptian Literature», Middle East Journal, Washington, 1948, vol. II, no. l; Judaica.
مهدي ظرافتکار/ خ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode