ابن حزم، أسرة

اِبنُ حَزم، أسرة من عظماء وسیاسي وعلماء الأندلس. کان یزید جدّ هذه الأسرة الأکبر، إیرانباً ومن موالي یزید بن أبي سفیان أخي معاویة. وهو نفسه الذي ولاه أبو بکر قیادة أول جیش للمسلمین لفتح الشام. کان لهذه الأسرة تعصب خاص لبني أمیة بسبب ارتباطها بهم، وحین سقوط هذه الدولة في الشام (132هـ/ 750م) وهجرتهم إلی الأندلس، هاجرت هذه الأسرة معهم إلی هناک أیضاً، وأقامت في قریة مَنتَ لیشَم في أَونبَة بناحیة لَبلَة في غربي الأندلس، ثم انتقلت في زمن سعید بن حزم، أحد أفراد هذه الأسرة إلی قرطبة (یاقوت، 12/235-236، 240؛ أبو زهرة، 23). ویذکر ابن بسام (1(1)/170) أن البعض اعتبروا هذه الأسرة من نسب غیر معروف ومن دون أصل وحدیثة في الإسلام مما یشیر إلی وجود أبحاث کثیرة منذ القدیم حول أصل هذه الأسرة ونسبها (ظ: الکتاني، 76-82؛ أبو زهرة، 23-26). أشهر أفراد هذه الأسرة، أبومحمد علي ابن حزم (ن.ع) الذي کان أحد ألمع وجوه الثقافة الإسلامیة في الأندلس. أما الشخصیات الأخری المعروقة من هذه الأسرة فهم:

1. أبو عمر

أحمد بن سعید بن حزم، الوزیر و الکاتب والددیب واللغوي الذي ولد في قریة تدعی الزاویة تقع في غربي الأندلس وأمضی فترة طفولته و فتوته في نفس المکان (المقري، 2/83). لاتتوفر معلومات کثیرة عن بدایة حیاته. ولم تکن أسرة ابن حزم قبله تحظی بشهرة واسعة. وکان هو سبب شهرتهم (یاقوت، 12/250-251). اختاره المنصور بن أبي عامر، مؤسس دولة العامریین في الأندلس (حکـ 366-393هـ/977-1003م) في 381هـ/991م لمنصب الوزارة واعتمد علیه منذ البدایة، فکان یجعله خلیفته کلما کان یغادر قرطبة للحرب أو لسبب آخر (ابن حزم، 20)، استوزر أبوعمر مدة 12 عاماً للمنصور و بعد وفاته في 393هـ تولی لابنه و خلیفته، المظفر (حکـ 393-399هـ) أیضاً مناصب مرموقة مختلفة في البلاط (یاقوت، 12/237). وبادر إلی إدارة الأمور في قصره الفخم الملاصق لقصر الزاهرة للمنصور بکل قدرة وتدبیر (ابن حزم، 21)، حتی أرغمته الاضطرابات والتقلبات السیاسیة في قرطبة في 399هـ (ابن عذاري، 3/83) والتي کانت بدایة حروب الأندلس الداخلیة، إلی التخلي عن السیاسة والعزلة. وإثر ذلک ترک ابن حزم قصره واختار السکن في القسم الغربي من قرطبة في محلة تدعی بلاط المغیث (ابن حزم 207)، حتی توفي في ذي القعدة 402هـ/1012م في عزلة عن الناس (ابن بشکوال، 31).
وبالإضافة إلی السیاسة کان له باع طویل في العلم والأدب و خاصة علوم البلاغة (الحمیدي، 2/199). وقد نظم بعض الشعراء قصائد في مدحه (م.ن، 2/322، 464).

2. أبوبکر بن أحمد

هو ابن أحمد بن سعید البِکر ولد في 379هـ/989م في قرطبة و تزوج من فتاة اسمها عاتکة کان أبوها صاحب الثغر الأعلی أیام المنصور و توفي في 401هـ/1011م و هو ابن 22 سنة إثر تفشي مرض الطاعون الذي أودی بحیاة الکثیرین في قرطبة (ابن حزم، 215). ولاتتوفر معلومات کثیرة عن حیاته. و قد تصوره البعض خطأً (ظ: پلا، 35، 54، 95؛ قا: EI2) نفس الشخص الذي أهدی إلیه ابن شُهید رسالة التوابع و الزوابع، في حین – کما صرح صاحب جذوة المقتبس (الحمیدي، 2/597) – کانت قد أهدیت إلی أبي بکر یحیی بن حزم الذي ینتمي إلی أسرة أخری.

3. أبورافع الفضل بن علي

وزیر وأدیب و کانت، من أهل قرطبة، وهو ابن علي بن أحمد و تعلم أولاً عند أبیه وعند أبي عمر ابن عبدالبر، الفقیه المعروف (ابن بشکوال، 2/440) وقد دخل في زمرة عظماء عصره لتمتعه بالذکاء والفراسة الحادة، واختاره المعتمد بن عبّاد صاحب إشبیلیة (حکـ 431-479هـ/1040-1086م) للوزارة. یعتبر عم المعتمد، أبو طالب عبدالجبار بن محمد، أنه مدین في حیاته إلیه، لأن المعتمد همّ بقتل أبي طالب بسبب ثورته ضده فهدأ ابن حزم المعتمد بکلامه الموزون وصرفه عن قتله (ابن خلکان، 3/329). وأصبح أب رافع الذي لم یکن یعوزه الذوق والاستعداد الشعري موضع مدح و ثناء عدد من الشعراء مثل جَهوَر بن محمد (الحمیدي، 1/291، 450). وقتل أبو رافع في وقعة الزلّاقة مع مخدومه المعتمد في 479هـ (ابن خلکان، ن.ص). نشب إلیه ابن الأبار (2/34) کتاباً اسمه الهادي إلی معرفة النسب العبّادي.

4. أبوالمغیرة

عبدالوهاب بن أحمد بن عبدالرحمن بن سعید، وزیر وشاعر وأدیب وکاتب، ابن أخي أحمد بن سعید وابن عم علي بن أحمد. لاتتوفر معلومات عن تاریخ ولادته ومکانها. وکان کما یذکر المقري (1/617) ندیم المنصور بن أبي عامر (تـ 393هـ/1003م).
قرّب المستظهر، عبدالرحمن بن هشام (حکـ رمضان حتی ذي القعدة 414/ تشرین الثاني 1023- کانون الثاني 1024) إلیه عدداً من العلماء والأدباء المعروفین، بینهم أبوالمغیرة وابن عمه علي بن أحمد وابن شُهَید الأندلسي (المقري، 1/488-489). کان المستظهر الذي له باع طویل في الشعر والأدب وعلوم البلاغة، یتباحث معهم ویناقشهم في القضایا العلمیة والأدبیة،وخاصة في إنشاد الشعر. وسبّب هذا الأمر إثارة حقد وحنق الوزراء ورؤساء البلاط و عدم رضا الکثیرین (المقري، 1/489). قتل المستظهر بعد 47 یوماً من الخلافة علی ید الثوار وألقی خلیفته المستکفي بالله، أبا المغیرة وابن عمه في السجن (ابن سعید، 1/54-55). وبعد إطلاقه من السجن توجه أبو المغیرة إلی بلاد الثغر، وقد اعتلت طبقته في العلم والأدب، وخاصة في النظم و النثر وکتب عن عدة من الأمراء، ونال حظاً عریضاً من دنیاهم (ابن بسام، 1(1)/132-133). ثم انتخب في منصب وزارة المنذر بن یحیی واعتقل في 431هـ علی إثر مصرع المنذ وأودع السجن مرة أخری (ابن الخطیب، 197)، حتی توفي في طلیطلة في 438هـ/1046م ودفن هناک (ابن بشکوال، 1/362). اعتبر بعضهم سنة وفاته حوالي 420هـ (الحمیدي، 2/461) بینما کان کما مر سابقاً وحین سقوط دولة سرقسطة في 431هـ وزیر المنذر بن یحیی، وعلی هذا یعتبر قول ابن حیّان الذي اعتبر وفاته في 438هـ (ظ: ابن بشکوال، ن.ص) هو الأصح. وقد حمل هذا الاختلاف في تاریخ وفاته عدداً (کحالة، 6/218-228) علی الاعتقاد بوجود شخصین باسم أبي المغیرة.
کان لابن حزم قدرة فائقة في نظم الشعر أیضاً کما خاطب و هو ابن 17 عاماً ابن عمه علي بن أحمد في قصیدة طویلة نسبیاً (ابن حزم، 181). وتدل أبیات کثیرة من أشعاره التي تشاهد بشکل متفرق في مؤلفات الحمیدي (2/461) وابن خاقان (ص 22) وابن بشکوال (1/362) والضبي (ص 393) علی استعداده الکبیر وذهنه الخلاق. وعلاقته بابن شُهَید الأندلسي معروفة. یقول ابن خاقان (ن.ص) في وصف صداقة هذین: کانا في قرطبة خلیلي صفاء و حلیفي وفاء. وکانت له علاقة صداقة حمیمة بابن عمه علي ابن أحمد أیضاً کما نشاهد الاثنین جنباً إلی جنب في الکثیر من الأندیة والمجالس؛ وإن کانت تقع بینهما مشاجرات ومناظرات کان أبوالمغیرة في الغالب ینتصر فیها علی علي بن أحمد بسبب معلوماته الغزیرة و حضور الذهن و الذکاء الحاد (ابن بسام، 1(1)/ 133).
وکان لابن رَبیب القَروي أیضاً مراسلات معه، وقد کتب إلیه مرة رسالة انتقد فیها أهالي الأندلس بسبب و هنهم و تقاعسهم في مجال العلم والمعرفة. فرد علیه ابن المغیرة بتعداد فضائل أهل الاندلس و ذکر الکثیر من تألیفات و مصنّفات علماء تلک البلاد (م.ن، 1(1)/133-139). کان لأبي المغیرة مؤلفات کثیرة لم یبق شيء منها. وذکر ابن بسام (1(1)/152، 154، 156، مخـ) مقاطع من رسائله التي کتبها إلی الرؤساء، أمثال أبي محمد علي ابن حزم وأبو عمر یوسف بن عبدالبر وآخرین. وکتب مجموع هذه الرسائل الذي یبلغ 12 رسالة بأسلوب خاص تشبه رسائل بدیع الزمان.

المصادر

ابن الأبار، محمد، الحلة السیراء، تقـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1963م؛ ابن بسام، علي، الذخیرة، تقـ: إحسان عباس، تونس، 1981م؛ ابن بشکوال، خلف، الصلة، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1374هـ/1955م؛ ابن حزم، علي، طوق الحمامة، تقـ: صلاح‌الدین القاسمي، تونس، 1985م؛ ابن خاقان، الفتح، مطمح الأنفس، قسطنطینیة، 1302هـ/1885م؛ ابن الخطیب، محمد، أعمال الأعلام، بیروت، 1956م؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن سعید، علي، المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1953م؛ ابن عذاري، أحمد، البیان المغرب، بیروت، 1929م؛ أبوزهرة، محمد، ابن حزم، بیروتف 1373هـ/1954م؛ پلّا، شارل، ابن شُهید الأندلسي، الأردن، 1965م؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: إبراهیم، الأبیاري، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الضبي، أحمد، بغیة الملتمس، القاهرة، 1967م؛ الکتاني، الناصر، «ابن حزم الإسباني أو الفارسي»، اللسان العربي، الرباط، 1966م، عد 4؛ کحالة، عمررضا، معجم المؤلفین، بیروت، 1376هـ/1957م؛ المقري التلمساني، أحمد، نفح الطیب، بیروت، 1388هـ/1968م؛ یاقوت، الأدباء؛ وأیضاً:

EI2.
عنایت‌الله فاتحي‌نژاد