الصفحة الرئیسیة / المقالات / الالهیات /

فهرس الموضوعات

الالهیات


تاریخ آخر التحدیث : 1441/11/5 ۲۳:۵۵:۰۲ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإلٰهيّات،   عنوان للفلسفة الأولى، أو ما بعد الطبيعة والتي تمثل أحد فروع العلوم النظرية.
تنقسم الفلسفة النظرية حسب تقسيم أرسطو للعلوم، إلى 3 أقسام هي الطبيعيات والرياضيات والإلٰهيات. إن الإلٰهيات، أو الفلسفة الأولى التي أطلق عليها فيما بعد العنوان المطلق للفلسفة، هي العلم الذي يبحث في الوجود وأحوال الموجود من حيث هو موجود باعتبارها مبدأ جميع العلوم وأساسها (ظ: ن.د، الفلسفة).
يبدو أن كلمة الإلٰهيات شاع استعمالها في الثقافة الإسلامية منذ أن اتخذها ابن سينا كعنوان لقسم الفلسفة الأولى من موسوعته الكبيرة الشفاء، إن كان يعبر عنها قبل ذلك بالعلم الإلٰهي، أو العلوم الإلٰهية أيضاً (ظ: جابربن حيان، 100، 104؛ الكنـدي، 1 / 112؛ الرازي، 165 ومابعدهـا؛ الفارابي، «مقالـة ... »، 4-5)، بحيث أطلق العلم الإلٰهي على الفلسفة الأولى لأول مرة في آثار أرسطو (ظ: غوتاس، 250، الهامش؛ عن خلفية هذا المصطلح، ظ: أفلاطون، 397A، الذي استخدم العلم الإلٰهي بمعنى علم الأساطير). يقول أرسطو حول مكانة الفلسفة الأولى و موضوعها: «إذا كان هناك شيء سرمدي، غير متحرك ومفارق للمادة، فإن من الواضح أن التطرق إليه هو من اختصاص علم نظري ليس من الطبیعیات ولا الریاضیات، بل إن ذلك یدخل في علم مقدم عليهما ... إن العلم الأول [أو الفلسفة الأولى] يرتبط بأمور هي مفارقة للمادة وغيرمتحركة في نفس الوقت. وينبغي أن يكون جميع الأسباب سرمدية بالضرورة، وإن هذه الأمور خاصة يجب أن تكون كذلك. لأنها أسباب لأشياء تدرك بالحواس. وعلى هذا الأساس، توجد أنواع من الفلسفة (العلم) النظرية: الرياضيات والطبيعيات والإلٰهيات، فمن البديهي أن الألوهية إذا كانت موجوداً في موضع ما، فيجب أن يكون في هذا النوع من الموجودات (الموجودات المفارقة وغير المتحركة). كما أن أشرف العلوم يجب أن يتناول أشرف جنس من الموجودات. وعلى هذا، فإن العلوم النظرية ينبغي أن تكون أشرف من أنواع العلوم الأخرى ويجب أن يفضل العلم الإلٰهي على سائر العلوم النظرية... والعلم الذي يبحث في الجوهر غير المتحرك، يجب أن يكون مقدماً على العلم الطبيعي، أي إن موضوع هذا العلم هو الفلسفة الأولى التي هي كلية وشاملة ودراسة الموجود من حيث هو موجود» (أرسطو، متافيزيك، الورقة 1026a، السطور11-32، أیضاً الورقة 1064a، السطر، 35، الورقة 1064b، السطر4). أطلق أرسطو على هذا العلم في موضع آخر «الفلسفة الإلٰهية» («حول أجزاء ... »3، الورقة 645a، السطر4 ، أيضاًظ: متافيزيك، الورقة 983a، السطر5).
إن التمایز بین الفلسفة الأولى والعلوم الأخرى من وجهة نظر أرسطو يكمن في أن كلاً من العلوم الأخرى يبحث في نطاق خاص من الوجود، في حين أن الفلسفة الأولى لاتتناول الوجود حسب الخصائص التي تطرأ عليه، مثل الكمية، أو الصفات الجسمية، بل إنها تبحث في الوجود نفسه وصفاته الذاتية التي لا یقتضیها سوى الوجود نفسه، أي الوجود بلا قيد وشرط. وعلى هذا، فإن مباحث الفلسفة الأولى مثل العلية، والوحدة وغيرهما هي أمور عامة تضم جميع مراتب الوجود ومقولاته ولذلك، فإن الفلسفة الأولى تعتبر أكثر العلوم کليّة، أي ما تقوم عليه الأصول الأساسية للعلوم الأخرى (متافيزيك، الورقة 1003a، السطور20-30، الورقة 1005b، السطور1-14، الورقة 1025b، السطور 1-10)؛ ولكن على الرغم من أن موضوع هذا العلم وقضاياه لاتختص بنوع خاص من الوجود، فإن من الممكن التوصل بشكل أفضل إلى معرفة حقيقته من خلال دراسة مراتب خاصة من الوجود، بحيث كيفية الوجود بين الموجودات المختلفة ليست سواء. ومن وجهة نظر أرسطو، فإن جوهر كل موجود يتعلق بالموجود نفسه وعلى هذا، فإن حقيقة الوجود متحققة في الفرد وهي ليست سوى اتحاد المادة مع الصورة. ولكن على الرغم من أن كل شيء في هذا العالم مركب من المادة والصورة، إلا أن ما يضفي الهوية على الشيء ويؤدي إلى تعينها وتشخصها، هو الصورة، لا المادة المتغيرة والقابلة للفساد. وعلى هذا، فإن الجوهر يتحقق في صورة الشـيء ــ التي هـي ليسـت مـاديـة ــ وهو ما يصلـح أن يكـون موضوع المعرفة والتعريف العلمي. وفي هذا المجال، فإن المفارقات، أو الصور المجردة من المادة خلافاً للموجودات الجسمانية، هي الجوهر بمعناه الحقيقي ويمكن أن تكون موضوع دراسة الموجود بما هو موجود. وعلى هذا في مجال معرفة الوجود، ما يستحق البحث والدراسة هو جوهر بعيد عن التعلق والتغير، لأن ما هو محسوس ومتعرض للحركة والزوال، لايمكن أن يدل على الوجه الحقيقي للوجود. والجوهر الذي يجسد الوجود على أكمل وجه، يحمل الصفة الإلٰهية على حد تعبير أرسطو ولذلك سميت الفلسفة الأولى بالإلٰهيات (لتفصيل أكثر ظ: ن.م، جميع صفحات الكتاب VII؛ راس،155-157).
لقد توسع نطاق المباحث المتعلقة بمعرفة الله وصفاته وأفعاله بشكل بارز في الفلسفة الإسلامية، كما تم تبيين علاقتها بالمباحث الوجودية الكلية ولقد كان الحظ الأوفر في ذلك لكل من الفارابي وابن سينا. يعرّف الفارابي الحكمة بأنها علم الأسباب البعيدة التي يعتمد وجود الموجودات الأخرى عليها. ورغم أن هذه الأسباب كثيرة، فإنها تنتهي حسب ترتيب ما إلی وجود واحد هو سبب وجود جميع تلك الأسباب والمسببات (الفارابي، فصول... ، 52-53). ويؤكد الفارابي على وجود الله باعتباره المبدأ المشترك لجميع الموجودات وبرأيه ينبغي أن يكون العلم الإلٰهي داخلاً في العلم الكلي لأن الله مبدأ للموجود المطلق وليس لموجود دون موجود وبناء على ذلك، فإن القسم الذي يهدف إلى بيان مبدأ الوجود، يجب أن يختص بمعرفة الله («مقالة»، 4-5). وهذا القسم من الفلسفة الأولى يشمل بالمرتبة الأولى إثبات وجود الله عن طريق البرهان العقلي ولذلك لايمكن اعتبار الله موضوع هذا العلم، لأن موضوع كل علم هو أمر مسلّم الوجود في ذلك العلم، فإنه ليس على علم من العلوم إثبات موضوعه وعلى هذا الأساس، فإن ابن سينا يفرق بين غاية الفلسفة الأولى وموضوعها ويعتبر المعرفة بالله تعالى هي غاية هذا العلم والجزء الأشرف منه (ص5-6، 23؛ لتفصيل آخر لمصطلح الإلٰهيات ظ: أبوالبركات،3 / 6-7).
نظراً إلى إطلاق الإلٰهيات على الفلسفة الأولى، فيجدر بالذكر أن ذلك القسم الذي يختص في هذا العلم بمعرفة الله وعالم الموجودات المجردة من المادة، سمي «الإلٰهيات بالمعنى الأخص». كما في بعض الآثار الفلسفية أطلق العلم الإلٰهي، أو الإلٰهيات على قسم من الإلٰهيات بالمعنى الأخص (ظ: قطب الدين،32-33؛ التهانوي، 1 / 52-53). إن هذا القسم من الإلٰهيات في الفلسفة الإسلامية يعتبر بذاته علماً مستقلاً واسع النطاق بالقياس مع ما ورد على حد إشارات في آثـار أرسطو، بحيث تخلو إلٰهيات أرسطو ــ فضلاً عـن البراهيـن فـي إثبـات وجـود البارئ ــ من موضوعات مثل الخلق ونسبة الله إلى المخلوقات والقضاء والقدر ومسألة الشرور والنبوة والمعاد. وفي هذا المجال ما يجدر بالإشارة هو التراث الفلسفي لأصحاب الأفلوطونية المحدثة والذي ترك تأثيراً بالغاً على آراء الفلاسفة المسلمين، حيث ساعدهم في تكوين منظومة فكرية إلٰهية وتوفر لهم مجال لعرض نظرية الفيض والعناية الإلٰهية في الفلسفة الإسلامية في ظل آثار مثل الأثولوجيا. وقد كان التصور السائد في عصر الفارابي وابن سينا أن هذا الأثر الذي يمثل ترجمة أقسام من إنيادات أفلوطين، هو لأرسطو كما كانت كلمة أثولوجيا (= ثيولوجيا، بمعنى معرفة الله، أو علم الربوبية) ومعادلها العربي تطلق على علم الإلٰهيات بالمعنى الأخص (ظ: اللوكري،4، 265؛ قا: غوتاس، 250-251).
لقد اتسع نطاق المباحث المرتبطة بالقضايا الكلامية في الفلسفة الإسلامية بعد ابن سينا على وجه الأخص وفي المقابل أثرت الآراء الفلسفية على علم الكلام الإسلامي مما أدى إلى توسع مباحثه. مع أن استخدام مناهج الفكر الإسلامي في القضايا الدينية أثار مناقشات مماثلة في علم الكلام والإلٰهيات بمعناها الأخص، فإن بعض العلماء اهتموا بدراسة أوجه التمايز بين هذين العلمين في الأسلوب والأسس (ظ: الجرجاني،1 / 40-49؛ اللاهيجي، 11-15).

المصادر:  

ابن سينا، الشفاء، الإلٰهيات، ﺗﻘ : قنواتي وسعيد زايد، القاهرة، 1380ه‍ / 1960م؛ أبو البركات البغدادي، هبة الله، المعتبر في الحكمة، حيدرآباد الدكن، 1358ﻫ ؛ التهانوي، محمد أعلی،كشاف اصطلاحات الفنون، ﺗﻘ : علي دحروج، بيروت،1996م؛ جابر بن حيان، «الحدود»، مختار رسائل، ﺗﻘ : پ. كراوس، القاهرة، 1354ﻫ ؛ الجرجاني، علي، شرح المواقف، القاهرة، 1325ﻫ  / 1907م؛ الرازي، محمد بن زكريا، «من كتاب العلم الإلٰهي»، رسائل فلسفية، ﺗﻘ : پ. كراوس، القاهرة، 1939م؛ الفارابي، فصول منتزعة، ﺗﻘ : فوزي م. نجار، بيروت،1971م؛ م.ن، «مقالة في أغراض ما بعد الطبيعة»، مباديء الفلسفة القديمة، القاهرة، 1328ﻫ  / 1910م؛ قطب الدين الشيرازي، محمود، شرح حكمة الإشراق، طهران،1315ﻫ ؛ الكندي، يعقوب، رسائـل، ﺗﻘ : محمد عبد الهادي أبو ريـدة، القاهـرة، 1369ﻫ  / 1950م؛ اللاهيجـي، عبـد الرزاق، شـوارق الإلهـام، طهـران، 1311ه‍ ‍؛ اللـوكـري، فضـل، بيـان الحـق، ﺗﻘ : إبراهيم ديباجي،طهران،1373ش؛ وأيضاً:

Aristotle, De Partibus animalium ; id, Metaphysica ; Gutas, D., Avicenna and the Aristotelian Tradition, Leiden etc., 1988; Plato, Politeia ; Ross, W. D., Aristotle, London, 1956
محمد جواد أنواري / خ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: